للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النعمان. حتى أنه إذا أراد أن يبعث بألف فارس بعث بعصام١، مما يدل على أنه كان يوكل إليه أمر قيادته جيشه أيضًا. وقد ضرب به المثل، ورد: "ما وراءك يا عصام"، يعنون به إياه. وورد: "كن عصاميًّا ولا تكن عظاميًّا يريدون به قوله:

نفس عصام سودت عصامًا ... وصيرته ملكًا همامًا

وعلمته الكرَّ والإقداما

وقوله: ولا تكن عظاميًّا، أي: ممن يفتخر بالعظام النخرة"٢.

وقد ورد في أخبار الرسل الذين أوفدهم رسول الله إلى الملوك، أن "شجاع ابن وهب" رسول رسول الله إلى "الحارث بن أبي شمر الغساني" ليدعوه إلى الإسلام، اتصل بحاجبه، وانتظر حتى جاء له الإذن بمقابله فدخل عليه٣.

وبقيت "الحجابة" من المنازل الرفيعة في مكة وفي الأماكن المقدسة الأخرى.

فبيد "الحاجب" تكون مفاتيح الكعبة ومفاتيح الخزانة الخاصة بالمعبد وهي درجة ترزق صاحبها رزقًا حسنًا وربحًا ماديًّا، فضلًا عن الربح المعنوي باعتبار أنه صاحب الصنم أو الأصنام وبيده أمر المعبد. لذلك قالت بنو قصي: فينا الحجابة٤. تفتخر على غيرها. ويظهر من الحديث: "ثلاثٌ من كن فيه من الولاة اضطلع بأمانته وأمره: إذا عدل في حكمه، ولم يحتجب دون غيره، وأقام كتاب الله في القريب والبعيد"٥، ومن اشتراط "عمر" على كل من كان يعينه عاملًا، ألا يتخذ حاجبًا، ومن تحذيره لمعاوية وغيره من اتخاذ الحجاب٦. أن الحجاب، أي: احتجاب الحكام في الجاهلية عن الناس وعدم دخول أحد عليهم بغير إذن منه، كان معروفًا فاشيًا، وأن أصحاب الحاجات والمراجعين من الناس كانوا يلاقون صعوبات جمة في الوصول إلى حكامهم، وقد يقفون أيامًا ثم يسمح لهم بالدخول عليهم، وقد لا يسمح لهم بذلك. ونظرًا لما في ذلك من تعسف بحق


١ اشتقاق "٣١٨".
٢ تاج العروس "٨/ ٣٩٩"، "عصم".
٣ ابن سعد، طبقات "١/ ٢٦١".
٤ تاج العروس "١/ ٣٠٣"، "حجب".
٥ كتاب الحجاب من رسائل الجاحظ "٢/ ٣٠".
٦ كتاب الحجاب من رسائل الجاحظ "٢/ ٣١".

<<  <  ج: ص:  >  >>