للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت الردافة في الجاهلية لبني يربوع١. خصصها ملوك الحيرة بهم ولم يعطوها لأحد غيرهم، حتى إن كانوا مثل بني يربوع من تميم. ولا بد وأن يكون لهذا التخصيص سبب إذ لا يعقل أن يكون جاء "بني يربوع" عفوًا. فهو فضل وتفضيل، وقضية التفضيل والتقديم، قضية حسّاسة جدًّا ويحسب لها ألف حساب عند العرب. لما لها من مسّ بالمنازل وبكرامة القبائل والسادات، وقد ذهبت أرواح بسبب تقديم ملك سيد قبيلة على سيد آخر في موضع جلوسه منه أن جعله أقرب إليه منه وفي جهته اليمنى لأن في هذا التقديم على عرفهم إيثار لمن قدم وتفضيل له على بقية الحضور. فهل يعقل إذن أن يكون ملوك الحيرة قد أعطوا "الردافة" لبني يربوع عفوًا ومن غير أسباب حملتهم على تخصيصها فيهم. لقد حاول بعض ملوكهم تحويلها من أصحابها إلى قوم آخرين، ومنهم قوم مثل "بني يربوع" من تميم. لكنهم هاجوا وماجوا وهددوا، فاضطر أولئك على إبقاء الحال على ما كان عليه.

ويمكن اعتبار "الحجابة" وصاحبها "الحاجب" من الدرجات المهمة في "الحيرة". فقد كان "الحاجب" هو الذي يتولى إدخال الناس والأذن لهم بالدخول على الملوك. وكان في إمكانه التعجيل بإدخال من يريد على الملك، وتأخير من ينفر منه من الدخول عليه، وربما منعوه من الوصول إليه. لذلك كان الذين يقصدون الملوك يتقربون إليه ويتوددون له ليكون شفيعًا لهم عندهم عن وواسطة في التقرب إليهم. وطالما تعرض الحاجب لذم شاعر وهجائه إذا أخره عن الدخول على الملوك، أو حال بينه وبين الوصول إليه، أو كان سببًا في إثارة غضب الملك على الشاعر٢.

وقد ذكر علماء اللغة أنه لما كان الملك محجوبًا عن الناس، فلا يصلون إليه إلا بإذن من الحاجب، لذلك حصر -أي: حبس- عن رعيته، فقيل له: الحصير٣.

وقد كان للنعمان بن المنذر "ملك العرب" حاجب ورد اسمه في شعر للنابغة، هو "عصام بن شهر" من رجال "جرم"، ذكر أنه قد كانت له منزلة عند


١ اللسان "٥/ ١٠٣"، "صادر"، "ردف".
٢ تاج العروس "١/ ٣٠٣"، "حجب".
٣ تاج العروس "٣/ ١٤٤"، "حصر".

<<  <  ج: ص:  >  >>