للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذات الرمال البعيدة الغور والتي تقل فيها المياه، لزم أن تكون طريق البريد ممتدة في الأرضين التي يكثر وجود الماء فيها، وتتوفر فيها الآبار، وفي مواضع مأمونة قليلة الرمال.

ويظهر أن الجاهليين قد أخذوا نظم بريدهم من الفرس، وأن ملوك الحيرة وغيرهم استخدموها في إدارتهم لدولتهم، بدليل ما يذكره علماء اللغة من أن لفظة "البريد" كلمة فارسية عربت فصارت على هذا النحو. وأصلها "بريدة دم"، أي: محذوف الذنب؛ لأن بغال البريد كانت محذوفة الأذناب كالعلامة لها، فأعربت وخففت، ثم سُمي الرسول الذي يركبه بريدًا. والمسافة التي بين السكتين بريدًا، والسكة موضع كان يسكنه الفيوج المرتبون من بيت أو قبة أو رباط، وكان يرتب في كل سكة بغال، وبعد ما بين السكتين فرسخان، وقيل: أربعة١ ولعل ما ورد في شعر امرئ القيس من "على كل مقوص الذنابي"، إشارة إلى تفسير كلمة "بريده دم".

وقد ذكر علماء اللغة أن "الفيج" رسول السلطان على رجله، فارسي معرب.

وقيل: هو الذي يسعى بالكتب. والجمع "فيوج". وأشاروا إلى ورودها في شعر لعدي بن زيد، زعموا أنه قاله هو:

أم كيف جزتَ فيوجًا حولهم حرسٌ ... ومريضًا بابه بالشك صُرّار

قيل: الفيوج الذين يدخلون السجن ويخرجون يحرسون٢.

ويظهر أنهم فرقوا هنا بين "البريد"، أي: الرسول الراكب، الذي ينقل البريد إلى مسافات، وبين "الفيج" الرسول الذي يسير على رجليه، وهو لا يمكن بالطبع أن يقطع أميالًا كثيرة. فهو بريد محلي، ينقل الأخبار إلى مسافات غير بعيدة. وقد يكون مخبرًا، ينقل ما يحدث ويقع بسرعة إلى المراجع العالية.

فالفيوج، لصوص الأخبار وبريد ماش ينقل الكتب إلى الجهات المختصة في الوقت نفسه. ويظهر من شعر "عدي" المذكور، أن "الفيوج" كانوا يقفون للناس بالمرصاد، يراقبون الحركات ويدرسون السكنات حولهم حرس منتبه،


١ اللسان "٣/ ٨٦"، "برد"، تاج العروس "٢/ ٢٩٨".
٢ اللسان "٢/ ٣٥٠"، "فيح".

<<  <  ج: ص:  >  >>