للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رئيس بعيد عنهم على الخضوع لرئيس منهم؛ لأن النفسية الأعرابية ترى في خضوع أعرابي لأعرابي من جنسه استكانة ومذلة. أما خضوعها لحكم غريب عنها فليس فيه شيء من ذلك، ولهذا خضعت لملوك المناذرة أو الغساسنة أو لكندة أو للتبابعة، ونفرت من الخضوع لرئيس عدناني لعقدة التنافس والتناحر بين ذوي القربى.

والقبائل العدنانية، قبائل خشنة شديدة المراس، القتال عندها طبيعة، ولو اتحدت وجمعت كلمتها ووحدت أمرها، لكانت قوة لا تغلب، ولكنها، وهي على هذه الصفة من التخاذل والتنافر، صارت خاضعة لحكم القحطانيين، وأخصهم التبابعة على ما يذكره الرواة. فكانوا يعينون عليهم حكامًا وينصبون عليهم أمراء منهم، بل يذكر أهل الأخبار أن العدنانيين كانوا يذهبون هم أنفسهم إلى أولئك التبابعة أحيانًا يطلبون منهم تنصيب شخص منهم، أو تعيين أمير عليهم من أصحاب المنزلة والمكانة؛ لأنهم سئموا من التقاتل والتشاحن، بقوا على ذلك دهرًا حتى سئموا حكم التبابعة والقحطانيين لهم، فثاروا عليهم كما يذكر أهل الأخبار.

وسأقتصر في هذا الفصل على الأيام المهمة التي كان لها في شئون السياسة القبلية شأن وخطر. أما الأيام الصغيرة التي لم يكن لها شأن يذكر. فأدع الحديث عنها إلا بقدره. وأما الحامل منها، فسأترك أمره إلى كتب الأخبار والأدب، لعدم وجود مكان لها في حديثنا العام عن تأريخ العرب قبل الإسلام.

ومن أمهات الأيام التي وقعت بين القحطانيين والعدنانيين: يوم طخفة، ويوم أوراة الأول، ويوم أوراة الثاني، ويوم السلان، ويوم خزاز، ويوم حجر، ويوم الكلاب الثاني، ويوم فيف الريح، ويوم ظهر الدهناء. وقد تحدثت عن بعضها في أثناء كلامي على ملوك الحيرة أو الغساسنة، وسأتحدث عما لم أتناوله من قبل.

ومن الأيام التي وقعت بين قبائل قحطانية وقبائل عدنانية، يوم يسمى بـ"يوم البيضاء" "البيداء"١ وكان سببه مجيء مذحج، وهي قبيلة قحطانية من اليمن، قاصدة متسعًا من الأرض وموطنًا جديدًا صالحًا، فاصطدمت بقبائل معد النازلة بتهامة، وتهامة هي موطن معد القديم في عرف أهل الأخبار، فبرزت لها قبيلة


١ المحبر "٢٤٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>