للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عدوان ورئيسها يومئذ عامر بن الظرب العدواني. جمع عامر هذا من كان في تهامة من قبائل معد، وهاجم مذحجًا فغلبها في موضع "البيضاء" ويقول الأخباريون: إن هذا اليوم هو أول يوم اجتمعت فيه معد تحت راية واحدة، هي راية عامر بن الظرب. وقد اجتمعت بعدها مرتين تحت راية واحدة: مرة تحت راية ربيعة ابن الحارث في قضاعة، ومرة أخرى تحت راية كليب بن ربيعة١. فهذه المعركة هي من المعارك القديمة التي وقعت بين العدنانيين والقحطانيين على رأي الأخباريين.

وعامر بن الظرب هذا، رجل يعده الأخباريون من قدماء حكماء العرب وأئمتهم الذين تحاكم إليهم الناس، وصارت أحكامهم سنة يتبعونها. وقد ذكر أهل الأخبار أنه أول من قرعت له العصا. ويرون في تفسير ذلك أنه كان قد كبر وهرم، وكان الناس يأتون مع ذلك إليه ليحكموه فيما يقع بينهم من خلاف. فقال له أحد أولاده: "إنك ربما أخطأت في الحكم فيحمل عنك"، فقال عامر: "فاجعلوا لي أمارة أعرفها، فإذا زغت فسمعتها رجعت إلى الصواب": فجعلوا قرع العصا أمارة ينبهونه بها. فكان يجلس قدام بيته ويقعد ابنه في البيت ومعه العصا. فإذا زاغ أو هفا قرع له الجفنة فيرجع إلى الصواب٢.

ولأهل الأخبار قصص عن عامر، فقد ذكروا أنه كان أول من جلس على منبر أو سرير وتكلم، ولجلوسه على منبر، سموه ذا الأعواد، ونسبوا إليه أحكامًا وحكمًا وأقوالًا وعمرًا طويلًا. وعدوه من الفصحاء البلغاء، وجعلوا أقواله مضربًا للأمثال ٣.

وأخذ رؤساء معد على عاتقهم الخروج على طاعة حكام اليمن، أو من عينه هؤلاء الحكام عليهم، وذلك بعد ما تبين لهم من ضعف الحكم في اليمن ومن تقاتل المتنفذين فيها بعضهم مع بعض، ومن تدهور الأحوال هناك. وكانت اليمن قد ولت "زهير بن جناب" زعيم كلب على قبائل معد. وكلب من قبائل قضاعة، فوافقت معد على تعيينه وخضعت لحكمه، وأخذت تؤدي الإتاوة له. وكان يخرج في حاشية لجمع الإتاوة، فأصاب معدًا ضيق شديد، وأجدبت أرضهم، فتأخروا عن الدفع، فجاءهم زهير وألحَّ في مطالبتهم، فشكوا عجزهم، وطلبوا


١ ابن الأثير "١/ ٢٩٥"، جرجي زيدان: العرب قبل الإسلام "ص٢٢٤".
٢ ابن الأثير "١/ ٢٢٧"، الأغاني "٣/ ٣ وما بعدها".
٣ المحبر "٢٣٧ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>