للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوهاب"١.

ومن الأيام التي وقعت بين "قيس" و"كنانة": يوم الكديد، ويوم برزة وحروب الفجار، أما يوم الكديد ويوم برزة، فقد تحدثت عنهما قبل قليل. وأما حروب الفجار فإليك ما جاء عنها.

العادة في الجاهلية ألا قتال في الأشهر الحرم لقدسيتها ومكانتها، فهي أشهر حرم يستريح فيها الأفراد والقبائل من القتال، ويكون الإنسان فيها آمنًا على نفسه وماله، فيظهر فيها الفرسان المعروفون بسفكهم الدماء دون خوف وإن كانوا يتقنعون بقناع حين حضورهم الأسواق مثل عكاظ خوفًا من وقوف طلاب الثأر على حقيقتهم، فيتعقبون خطاهم، فيفتكون بهم بعد انتهاء الأشهر الحرم. ويذهب في هذه الأشهر الناس إلى الأسواق للامتياز. وإلى الكعبة للحج إلى الأصنام، ثم يعودون إلى منازلهم مع انتهاء الأيام الحرم خشية حلول الأشهر الأخرى فيتعرضون لطمع الطامعين وغزو الغازين.

ومع ما لهذه الأشهر من الحرمة، فقد وقعت فيها حروب عرفت بحروب الفجار وبأيام الفجار؛ لأن من اشترك فيها كان قد فجر فيها بانتهاكه قدسية هذه الأشهر الحرم٢. ولكنها على ما يظهر من وصف الأخباريين لها لم تكن حروبًا كبيرة واسعة، إنما كانت مناوشات ومهاترات وقعت لأسباب تافهة بسيطة. ففي الفجار الأول لم يرق فيه دم، وإنما محاورات وخصومة كلامية بين كنانة وهوازن بسبب حادث بسيط لا يستوجب في الواقع خصومة ولا اشتباكات. فقد تطاول "بدر بن معشر الغفاري" "بدر بن معسر الغفاري" على الناس، بأن جلس بعكاظ في الموسم والعرب مجتمعة فيه، ثم مدّ رجله وقال: أنا أعز العرب، فمن زعم أنه أعز مني فليضربها بالسيف. فوثب رجل من "بني نصر بن معاوية" اسمه "الأحمر بن هوازن" فضربه بالسيف على ركبته فقطعها، فتحاور الحيّان: أهل المضروب مع أهل الضارب عند ذلك. حتى كاد أن يكون بينهما الدماء, ثم


١ النقائض "١٩٣"، ابن الأثير "١/ ٣٩٤"، العمدة "٢/ ١٩٨"، أيام العرب "٣٩١ وما بعدها".
٢ العقد الفريد "٦/ ١٠١ وما بعدها"، مروج الذهب "٢/ ٢٧٥"، اللسان "٥/ ٤٨"، "فجر"، تاج العروس "٣/ ٤٦٥"، "فجر".

<<  <  ج: ص:  >  >>