للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يختلط في دمها دم غريب١, وقد مدحت الخيل الشقر، وذلك لسرعتها، ومدحت بعدها الحصان الأدهم الأرثم المحجل المطلق اليد اليمنى٢. وقيل للخيل الكريمة الأصيلة "العتاق من الخيل" و"الخيل العتاق"٣.

وقد كانت الخيل من جملة وسائل كسب الحروب. والفريق الذي يملك أكبر عدد من الخيل في المعركة يكسب الحرب. وذلك لسرعتها ولما تحدثه تحركات المحارب على ظهرها من أثر في صفوف جيش العدو. ولهذا عدّ بعض الباحثين دخول الخيل إلى جزيرة العرب تطورًا خطيرًا في أسلوب القتل عند العرب, أحدث تغييرًا خطيرًا في طرق القتال وصار عاملًا مهمًّا من العوامل التي أدت إلى انتشار القتال والغزو في بلاد العرب. وصار في إمكان القبيلة التي تملك خيلًا جيدة كثيرة أن تتفوق على غيرها في الغزو، حتى إذا كانت القبيلة كبيرة؛ لأن العدد الكثير وإن كان ذا أهمية في النصر، ولكنه لا يستطيع أن يقف أمام الفرسان، إن كان المحاربون من المشاة أو كان أكثرهم منهم. إذ لا يستطيع الثبات أمام صولات وجولات الفرسان الذين يشتتون شمل الصفوف ويمزقون الجمع، ويمهدون لمن وراءهم من المشاة فرصة الانقضاض على الفارين المنهزمين.

ولأهمية الخيل عند العرب ألّف كثير من العلماء كتبًا فيها، تجد ذكرهم في "الفهرست" لابن النديم. ومن هؤلاء "ابن الكلبي" صاحب كتاب "أنساب الخيل"٤. و"ابن الأعرابي" صاحب كتاب "أسماء الخيل" ٥.

ووضعوا جرائد ومشجرات في أنساب الخيل. حرصًا منهم على المحافظة على أصالتها وبقاء جنس ما عندهم نقيًّا نظيفًا. ومنعوا الفحول الجيدة منها من الاتصال بالأفراس الرديئة أو الأفراس المجهولة التي ليس لها نسب معروف؛ حتى لا يتولد من هذا الاتصال نسل رديء هجين. بل حرص صاحب الحصان الجيد على ألا يعطيه لأحد ليتصل بفرسه حتى وإن كانت غاية في النجابة, وذلك خشية أن ينسل نسلًا فاخرًا لغيره, ولا يكون له منه شيء. ولا تزال هذه العادة معروفة


١ تاج العروس "٣/ ٣٣٥ وما بعدها".
٢ نهاية الأرب "٩/ ٣٦٢ وما بعدها".
٣ اللسان "١٠/ ٢٣٦".
٤ طبع بمدينة "لايدن" وبالقاهرة بمطبعة بولاق.
٥ طبع بمدينة "لايدن".

<<  <  ج: ص:  >  >>