للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالعربات وبالخيل، لتعطي السرعة للجيش في القتال والحماية اللازمة للمشاة. وبقوا يسيرون على الطريقة التقليدية التي أملتها طبيعة أرضهم عليهم من الاعتماد على عساكر "أسد" الملك وعلى عساكر الإقطاعيين وعلى المرتزقة وعلى الحشور الذين يجمعون جمعًا عند وقوع حرب.

ولم يعتنِ العرب الجنوبيون بتحسين السفن وتجديدها وتحصينها للمحافظة بها على سواحلهم الطويلة. فلما ظهر الرومان والبيزنطيون في البحر الأحمر، ولم يتمكنوا من الوقوف أمامهم. فانتزعوا منهم السيادة على هذا البحر بسهولة، واتصلوا بالسواحل الإفريقية وبلغوا "سيلان" وسواحل الهند. وفقد العرب ما كان لهم من ممتلكات في السواحل الإفريقية المقابلة. بل صارت سواحلهم عرضة لهجمات سكان تلك السواحل، ولتدخل الحبش مرارًا في بلادهم. مع أن الحبش أنفسهم لم يكونوا أصحاب سفن جيدة كبيرة، ولا أسطول قوي، حتى إن الروم ساعدوهم بأسطولهم في نقل قواتهم لاحتلال اليمن. ولم يرد في روايات أهل الأخبار ولا في أخبار الموارد اليونانية ما يفيد بتصدي السفن العربية الجنوبية للمغيرين الأحباش، ولا بوقوع أية معركة بحرية بين العرب والحبش أو غيرهم في البحر. ويدل نزول الحبش على السواحل العربية بيسر وسهولة على عدم وجود تحصينات بحرية على السواحل، وعلى ضعف الجيش في ذلك العهد.

ولطبيعة بلاد العرب أثر كبير بالطبع في ظهور هذا التخلف الملحوظ في بناء القوة العسكرية. فمعظم أرض جزيرة العرب أرضون سهلة منبسطة لا يجد فيها أصحابها مواضع طبيعية يتحصنون بها في حالتي الدفاع والهجوم. لذلك صار القتال فيها وجهًا لوجه، والتغلب فيه للمحارب الذي يملك وسائل الحرب السريعة من إبل وخيل وعدة. ثم إن الفقر العام الذي ساد جزيرة العرب آنذاك وفقرها من ناحية الموارد الطبيعية وتغلُّب الجفاف والحرارة عليها، جعلت العرب كتلًا، أي: شعوبًا وقبائل، مشتتة مبعثرة، تعيش حول ما تجده من ماء ومن مورد رزق، وكأنها أمم متباينة، لضيق أفق المعيشة فيها، ولتقاتلها فيما بينها على الماء وموارد الرزق الشحيحة. وأوضاع مثل هذه لا تساعد على التجمع وعلى تكوين دولة قوية كبيرة، تجمع جيشًا قويًّا مدربًا ذا عدة وعدد، يستطيع الصمود أمام الجيوش النظامية المدربة التي تملكها الحكومات الغنية مثل: حكومات البيزنطيين والفرس، التي غذت جيوشها بالمال وبالجنود المحترفين المدربين على القتال وبالضبط

<<  <  ج: ص:  >  >>