للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفرّ، وهجوم من جوانب مختلفة، فإن وجدوا جلدًا من ذلك الجيش وقوة ضاربة، هربوا إلى قلب البادية.

ويظهر مما ذكره "سترابو" عن الجيوش العربية الجنوبية، أنها لم تكن مدربة على القتال، ولم تكن مجهزة بأسلحة حسنة حديثة بالنسبة إلى أسلحة الرومان في ذلك الوقت. ولم تكن منظمة ومقسمة إلى وحدات محاربة يسير أمورها ويوجهها في القتال ضباط لهم خبرة وعلم بأساليب القتال. ولهذا تقدم الجيش الروماني بكل سهولة نحو اليمن، دون أن يجد أمامه مقاومة تذكر، مع أن جيشهم لم يكن من الجيوش الحسنة التنظيم، المدربة تدريبًا حسنًا، لمقاومة الجيوش النظامية١.

ونجد في تغلُّب "الحبش" ودخولهم العربية الجنوبية وتحكمهم بها مرارًا، ما يؤيد أن العربية الجنوبية لم تكن تملك جيشًا منظمًا مدربًا على مقاتلة الجيوش النظامية، وإنما كانت تملك "عساكر" تعرف قتال الأعراب وأهل القرى، بأسلحة لم تحاول الحكومات تحسينها وتجديدها وفقًا لتطور السلاح في العالم، مع العلم أن الحبش أنفسهم لم يكونوا أصحاب جيوش منظمة ولا مدربة تدريبًا حسنًا، ولا مزودة بأسلحة جيدة حديثة على طراز أسلحة اليونان والرومان والفرس. وقد تحكموا مع ذلك في اليمن حتى جاءهم الفرس، فأخرجوهم منها قبيل الإسلام، مع أن الذين أخرجوهم كانوا من قطاع الطرق ومن المتصعلكة، وقد جاءوهم بسفن قديمة، ولم يكونوا من المحاربين النظاميين المدربين على القتال.

ويظهر أن حكام العربية الجنوبية، كانوا يعتنون بجمع العساكر وتكوين الجيوش للقضاء على خصومهم، ولكنهم لم يحفلوا بأمر تنظيم الجيش وتدريبه وتجديده وتحسين سلاحه. مع أن أمر التنظيم والتدريب والتسليح وكيفية استخدام الجندي لسلاحه، من أهم أمور التغلب في الحروب والانتصار على الأعداء. ولهذا كانوا يتغلبون على خصومهم في العربية الجنوبية وعلى القبائل؛ لأنهم دونهم بكثير في المستوى وفي الإمكانيات. ولما كانت حروبهم حروبًا داخلية، لم تتجاوز حدود جزيرة العرب، وإذا تجاوزتها، كان اتجاهها سواحل إفريقية، وهي بلاد غير متقدمة ولا تملك جيوشًا نظامية مدربة، لذلك لم يحفل أولئك الحكام بأمر الانفاق على الجيش لتنظيمه وتدريبه وتحسين سلاحه ومستواه ووضعه في ثكنات صحية وتجهيزه


١ راجع الصفحة "٤٢ وما بعدها" من الجزء الثاني من هذا الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>