للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقرى لم يكن لها جيش ثابت، ولا قادة يدربون المقاتلين على أساليب القتال، ولا وحدات ثابتة تقيم في ثكنات ومعسكرات، بل كان شأنها شأن القبائل، إذا هوجمت، هب أفرادها رجالًا ونساء كهولًا وصغارًا في الدفاع عن مدينتهم، يقوم كل واحد منهم بدوره حسب طاقته وقدرته. وكذلك كان الحال في حالات الهجوم، أي: حين تهاجم المدينة عدوًّا لها، يشترك في هجومها كل متمكن من القتال، قيامًا بواجبه الأدبي المفروض عليه. وليس لهذا الجيش المحارب تدريب عسكري سابق، ولا وحدات معينة، إنما تكون إمرة سوقه وتسيره بأيدي الشجعان الأذكياء. ومن سبق له أن برز في قتال سابق، وأبرز مكانه فيه.

وحتى في أيام الرسول لم يكن للمسلمين جيش ثابت منظم، له وحدات على شكل فرق وكتائب وأفواج وسرايا، وثكنات ومعسكرات، وضباط، يعرف كل ضابط منهم وحدته وعدد جنوده. إنما كان المسلمون كلهم جنودًا، إذا دعاهم الرسول إلى القتال لبوا نداءه. وقد يكون فيهم الكهل والشاب والتاجر والمزارع ومن لا عمل له. الفارس بفرسه، والراكب على جمله، والراجل ماشيًا، كل يحارب في سبيل الله. والرسول هو القائد الأعلى، وهو الذي يعين الأهداف والخطط، وهو الذي يختار القادة ومسيري المعركة إذ لا قادة ثابتون. وكان يستشير ذوي الرأي والخبرة في المواضع التي يقصدها في إدارة الحرب مع العدو. وإذا كانت المعركة معركة مبارزة، نظر الرسول إلى من معه، واختار منهم من يصلح للمبارزة. وكان إذا أراد إرسال سراياه، اختار للسرية رجلًا من أصحابه فأمره عليها. وأرسل معه من يختارهم ليكونوا له جنودًا. ولم يكن عدد أفراد السرية ثابتًا، بل كان مختلفًا. ويتوقف العدد على حسب تقدير الرسول للموقف.

ويظهر من الشعر الجاهلي أن الأعراب كانوا يهابون من الالتحام بالجيوش النظامية، لعدم قدرتهم وكفاءتهم في مقابلتها، لما لها من تنظيم وتدريب وسلاح. وقد تركت "الدوسر" و"الشهباء" أثرًا في ذاكرتهم، نجده في شعرهم، مع أن الكتيبتين لم تكونا على مستوى عال من التدريب والتسليح. وقد كانوا يخشون من الالتحام بالجيوش الآشورية والبابلية والرومية، لتفوق تلك الجيوش عليهم، فإذا تعقبتهم هربوا إلى البادية، حيث يجدون لهم عندئذ المأوى الصالح الأمين المناسب لهم، للوقوف أمام الجيش النظامي. ويكون وقوفهم أمامه على هيئة كرّ

<<  <  ج: ص:  >  >>