للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأن يجعل المقيم للغازي شيئًا. وقد كرهت الجعائل في الإسلام١. وفي الحديث أنها سحت. وهي ما تجعل للغازي إذا غزا عنك بجعائل. قال سليك بن شقيق الأسدي:

فأعطيتُ الجِعالة مستميتًا ... خفيفَ الحاذِ من فِتْيانِ جَرْم٢

وإذا قامت قبيلة بغزو قبيلة ما، قام رجالها من ذوي الرأي والمعرفة بالمعارك بإعداد خطط غزو العدو ومهاجمته ومباغتته وترؤسه, وعلى شجعانها قيادة الغازين المحاربين. أما القبيلة التي تتعرض للغزو. فيقوم ذوو الرأي والخبرة العسكرية فيها بإعداد الخطط للدفاع عن نفسها، ورد الاعتداء عنها. وفي حالة الأحلاف يعد ذوو الرأي والخبرة العسكرية في الحلف خطط الهجوم أو الدفاع، ويشترك الحلف في إعداد المحاربين وقيادتهم.

والغالب أن الذي يقوم بقيادة المحاربين وتوجيههم في المعارك هم من أسر توارثت ذلك، وصارت القيادة وكأنها حق لها. فإذا وقع غزو، أو أرادت قبيلة ما غزو قبيلة أخرى، نهض رجال الرأي في الحرب بإعداد الخطة والتشاور في الرأي لكسب المعركة. وقد كانت قريش قد وكلت أمر حربها وقيادة محاربيها إلى "آل حرب". ولكن ذلك لا يعني عدم تغيير القادة وإبدالهم، وتعيين قادة جدد من أسر أخرى، فقد كانوا يفعلون ذلك أيضًا عند الضرورات.

ولم تكن قوات القبائل في مستوى القوات النظامية من حيث التسليح والقابلية في القتال. فأسلحة رجال القبائل بسيطة وبدائية في الغالب لفقرها وعوزها, وهي غير منتظمة ولا مدربة على القتال تدريبًا فنيًّا، وإنما يقوم فنها على الإغارة والمباغتة، فإذا وجدت مقاومة ما فرت وولت؛ لأنها لا تتحمل المقاومة والوقوف في وجه العدو مدة طويلة، ولا تستطيع الصبر على ذلك. وهي من هذه الناحية قادرة على إلحاق الأذى بالقوات النظامية في حروب الصحارى، فتقوم بمباغتة العدو وأخذه بالمفاجأة، فإذا وجدت مقاومة منه أو أخذت ما كانت تصبو إليه من غنيمة، عادت مسرعة إلى معقلها، لتحتمي به، ولتوزع ما غنمته وفق العادة والعرف.


١ شمس العلوم، الجزء الأول، القسم الثاني "ص٣٣٨".
٢ اللسان "١١/ ١١١"، "جعل"، تاج العروس "٧/ ٢٥٧"، "جعل".

<<  <  ج: ص:  >  >>