للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والغزو مصدر مهم من مصادر الإعاشة بالنسبة إلى الأعراب، يلجئون إليه في أيام الشدة والمحنة لغناء أهل القرى والمدن بالنسبة إلى أهل البادية، صارت هذه المواضع هدفًا مقصودًا للأعراب، ومصدرًا من مصادر الرزق عندهم، ولا سيما المواضع الواقعة على حدود الأرضين الغنية الخصبة، كالعراق وبلاد الشأم، وقد أدركت الدول الحاكمة في العراق وفي بلاد الشأم هذه الحاجة، فاستغلتها، فأخذ الروم يشترون رؤساء القبائل، يدفعون لهم رشاوى وهدايا ومنحًا ومرتبات لحماية حدودهم من تحرش رجالهم بها, ولمهاجمة حدود أعدائهم الفرس، ولمقاومة القبائل التي يرسلها الساسانيون لمهاجمة بلاد الشأم.

وفعل الفرس مثل ذلك، فدفعوا المنح والمرتبات والهدايا لرؤساء قبائلهم، ودفعوهم على مهاجمة حدود بلاد الشأم. وقد اضطرت القرى والمدن في جزيرة العرب إلى مهادنة القبائل القوية النازلة بقربها، وإلى محالفتها بدفع إتاوات لها في مقابل عدم التحرش بها وحمايتها من تحرش القبائل الأخرى الطامعة بها، وفي مقابل مرور قوافلها في أرضها. وبذلك أمنت على سلامتها وعلى أموالها بعقد هذه العهود والمواثيق.

ولضرورة الدفاع عن النفس، وللوقوف أمام طمع القبائل القوية في القبائل الضعيفة، اضطرت أكثر القبائل إلى التحالف والتكتل لمنع الغزو فيما بينها، وإلى مقاومة أي غزو يقع عليها، وقد أطلق العرب على كل قبيلة تحارب وحدها دون محالفة قبيلة أخرى "الجمرة". وذكر أن "الجمرة"، هي القبيلة التي لا يقل عدد فرسانها عن ثلاثمائة فارس، وهو عدد يدل على قوة القبيلة وشدة البأس.

وذكر الأخباريون أن "جمرات العرب" ثلاث: بنو ضبة بن أد، وبنو نمير بن عامر، وبنو الحارث بن كعب. فطفئت جمرتان، وبقيت جمرة واحدة, طفئت بنو ضبة؛ لأنها حالفت الرباب, وطفئت بنو الحارث؛ لأنها حالفت مذحج، وبقيت نمرح لأنها لم تحالف١.

والغالب على أسلوب القتال عند الجاهليين: الكرّ والفرّ، وذلك بأن يهاجم المحاربون عدوهم ثم يتراجعون بسرعة وكأنهم قد فروا خوفًا منه، ثم يعودون


١ شمس العلوم، الجزء الأول، القسم الثاني "ص٣٥٣"، الحصري، زهر الآداب، "١/ ٢٠".

<<  <  ج: ص:  >  >>