للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسالة رمزية في الغالب أو شفوية ليحذر قومه منه. وقد يكون المنذر أسيرًا في أيد القوم، فلا يستطيع الهروب من آسريه ليخبر أهله بعزم آسريه على غزوهم فيعمد إلى "الشيفرة" وإلى الرموز والكنايات والتعابير التي تفهم القوم بمراده من الرسالة، فيحتاطوا للأمر ويستعدوا للقتال.

وفي يوم "شعب جبلة" كان "كرب بن كعب بن زيد مناة"، وهو من بني تميم، قد علم بخطط أعداء قومه، وكانوا قد أخذوا عليه عهدًا وميثاقًا بألا يتكلم ولا يخبر قومه عن عزمهم فعمد إلى الرمز والإشارة، بأن وضع ترابًا في صرة، وشوكًا قد كسرت رؤسه، وحنظلة موضوعة ووطب معلق فيه لبن، فلما رأى القوم ذلك، علموا أنه يقول لهم: إن القوم كالتراب عددًا لكن شوكتهم قليلة، وإنهم قريبون منهم، فعليهم أن يحتاطوا للأمر، فاحتاطوا منه، واستعدوا للأمر.

وكان الأعور، وهو ناشب بن بشامة العنبري أسيرًا في قيس بن ثعلبة، فلما سمع بأن اللهازم تجمعت وهم: قيس وتيم اللآت ومعها عجل بن لجيم وعنترة بن أسد، تريد غزو بني تميم، قال لآسريه: أعطوني رجلًا أرسله إلى أهلي أوصيهم ببعض حاجتي. فقالوا له: ترسله ونحن حضور. قال: نعم. فأتوه بغلام مولد. فقال اتيتموني بأحمق. فقال الغلام: والله ما أنا بأحمق. فقال: إني أراك مجنونًا. قال: والله ما أنا بمجنون. ثم صار يكلمه ويسأله، ثم أوصاه بأمور لا يفهم منها أن فيها إشارات ورموز، ووافق القوم على ذهاب الغلام إلى قوم ناشب، فلما كلمهم بما قاله ناشب للغلام لم يدروا ما أراد: فأحضروا "الحارث"، فقص عليه الغلام قصة ما جرى له مع ناشب، ففهم المراد. ثم قال للغلام: أبلغه التحية، وأبلغه أنا سنوصي بما أوصى به. ثم قال لبني العنبر: إنه يحذركم من غزو قريب فاستعدوا وارتحلوا عن ديارهم وبذلك نجوا من خطر الغزو١.

وهناك أمثلة عديدة من هذا القبيل، حذر بها أناس من رجال ونساء قومهم من غزو سمعوا به، فخلصوا قومهم منه. أو جعلهم يستعدون له، وقد استعمل المحذرون التراب أو الرمل، للدلالة على كثرة العدو. واستعملوا الشَوْكَ للدلالة على القوة وعلى شوكة العدو، وعبّروا بالشوك الذي تكسر رءوسه، بشوكة


١ ابن الأثير، الكامل "١/ ٢٨٣ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>