للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العدو، إلا أنه عدو لا يخشى جانبه؛ لأنه غير متحد ولا متفق، وقد استمدت القبائل هذه الرموز من محيطها الذي عاشت فيه، فاتخذتها أدوات للتحذير والإنذار.

ويستعين القادة بأدلاء ليقدموا لهم المعلومات عن الطرق الموصلة إلى المواضع التي يريدون مقاتلة أصحابها بها، أو للسير في مقدمة قافلة الجيش للوصول إلى المكان المطلوب. وللدليل أهمية كبيرة في القتال ولذلك استعان بهم المحاربون. ويقال للدليل: "دلل" في العربية الجنوبية، والأغلب أنهم كانوا ينطقونها على نحو ما ننطقها بها في عربيتنا. وأما الجمع فـ"دلول", أي: أدلاء١.

وكان لا بد لكل قائد من الاستعانة بدليل إذا ما أراد التفويز، فقد يهلك الجيش من العطش والجوع ويخطئ هدفه أو يصير فريسة في مخالب من يقصده، إن لم يستعن بدليل خرّيت مجرب، له علم بالبادية علمه ببيته. وكان للقبائل أدلاء عركوا المفاوز وخبروها وعرفوا معالمها ومواضع الماء فيها، وكان لهؤلاء فضل على قبائلهم، لا يقل عن فضل الفرسان عليها؛ لأنهم من أسباب النصر. ولما كتب "أبو بكر" إلى "خالد بن الوليد" يأمره بالمسير إلى بلاد الشأم، دلّ على "رافع بن عميرة الطائي" وكان دليلًا خرّيتًا، وبفضل علمه بالطريق وبنصحه القيم لخالد في كيفية عبور المفازة، وصل الجيش سالمًا إلى بلاد الشأم٢.

وقد فعل الجاهليون ما تفعله القوى المتحاربة في كل وقت من اللجوء إلى التأثير في خصومهم باستخدام "الحرب النفسية". أي: التأثير في نفوس الخصوم حتى يشعر أنه دون خصمه، كأن يتظاهر بأن عدده أقوى وأكثر عددًا من عدد خصمه، بتوسيع رقعة معسكره, وإيقاد النيران الكثيرة وإحداث أصوات مرتفعة، تشعر المتلصص للأخبار أن الجيش جرار، وأن عدده كبير. وبذلك يخافه خصمه وترتعب نفسه. ولما نزل المسلمون "حمراء الأسد"، "كانوا يوقدون تلك الليالي خمسمائة نار، وذهب صوت معسكرهم ونيرانهم في كل وجه، فكبتَ الله تعالى عدوهم"٣.

ويعمد الجيش أو القسم منه إلى التستر والتخفي لمباغتة العدو ومفاجأته، كأن


١ Jamme ٥٧٥, Mahram, P.٤٣٠
٢ الدينوري، عيون الأخبار "١/ ١٤٢"، "التفويز".
٣ نهاية الأرب "١٧/ ١٢٧"، "ذكر حمراء الأسد".

<<  <  ج: ص:  >  >>