للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حفر خندق ليحول بينهم وبين دخول المدينة، فأخذ الرسول برأيه، وحفر الخندق، وبه سميت المعركة "معركة الخندق". فصوّر "سلمان الفارسي"، وكأنه أول من علم أهل الحجاز حفر الخنادق.

ويظن أن لفظة "خبزت" التي ترد في النصوص المعينية وغيرها إنما تعني "خنادق" ومنخفضات صنعت لحماية الأسوار والمتاريس والقلاع حتى تمنع العدو والمهاجمين من الدنوّ منها١.

وتؤدي لفظة "صحفت" معنى خندق أيضًا٢. وربما تؤدي معنى حاجز مائي يملأ بالماء حتى يمنع المهاجمين من الدنو إلى الموضع المحصن.

وقد كان الأغنياء وأهل القرى والمدن يستخدمون رقيقهم في الدفاع عنهم.

وقد كان أهل مكة مثلًا قد جعلوا من أحابيشهم قوة عسكرية تحارب معهم وتقاتل عنهم بأسلحتهم وبطريقة قتالهم التي ألفوها في بلادهم، مثل القتال بالحراب، أو الرمي بالنشاب، وقد عرف هؤلاء بالأحابيش. ولعلهم استخدموا الرقيق الأبيض المجلوب من بلاد الروم ومن أماكن أخرى في تنظيم أمور الدفاع وإدارة القتال لخبرتهم ودرايتهم في أساليب القتال المدنية، كالذي فعله الرسول من استشارته سلمان الفارسي في أمر الدفاع عن المدينة يوم حاصرتها قريش، فكان أن أشار عليه بحفر خندق حولها يعوق تقدم قريش من المدينة، ففعل كما يشير إلى ذلك أهل السير والأخبار.

والمصانع: الأبنية, وقد وردت "مصانع" في الآية الكريمة: {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} ٣. بمعنى الحصون المنيعة، و"مصنعت" "مصنعة", في الحميرية بمعنى حصن. وذلك كما في هذه الجملة المقتبسة من نص "أبرهة" المدوّن على سد مأرب: "مصنعت كدر"، أي: "حصن كدر"٤. ولا تزال لفظة "مصنعة" مستعملة حتى اليوم في العربية الجنوبية في معنى قلعة وحصن٥. وقد اشتهرت حمير بمصانعها.


١ نقوش خربة معين "ص٢".
٢ نقوش خربة معين "ص٥".
٣ الشعراء، الآية ١٢٩.
٤ راجع السطر "٢١" من النص، والجمع "مصنع"، أي: "مصانع" في السبئية:
Jamme ٥٧٨, ٦٢٩, Mahram, P, ٤٤٠
٥ Hadramaut, P.٦٣

<<  <  ج: ص:  >  >>