للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشريف يسأل من يريد أسره عن اسمه ونسبه، حتى إذا وجد أنه من العبيد والموالي أبى الاستسلام له؛ لأن في استسلام الرجل لمن هو دونه في المنزلة والمكانة مذلة كبرى وإهانة، ولهذا كان الرجل الذي يشعر أنه في وضع حرج وأنه مأسور لا محالة يبقى يراوغ خصمه ويحاول الإفلات منه ومن أسره جهد إمكانه حتى آخر نفس له، وقد يسأل شخصًا آخر يرى عليه إمارة الوجاهة والشرف بأن يأسره خشية الفضيحة والعار ومن وقوعه أسيرًا في يد عبد جلف، أو صعلوك لا مكانة له في المجتمع. ومن ذلك ما وقع لحاجب بن زرارة، إذا أدركه الزهدمان، فقالا له: استأسر وقد قدروا عليه، فقال: ومن أنتما؟ قالا: الزهدمان. فقال: لا أتستأسر اليوم لموليين. وبينما هم كذلك، إذ أدركهم مالك ذو الرقيبة بن سلمة من قشير، فقال لحاجب: استأسر، فقال: ومن أنت؟ قال أنا مالك ذو الرقيبة فقال: أفعل فلعمري ما أدركتني حتى كدت أكون عبدًا. فألقى إليه رمحه واعتنقه زهدم عن فرسه فصاح حاجب: وا غوثاه، ثم تخاصم مالك والزهدمان في شأن أسر حاجب، واجتمع القوم وحكموا حاجبًا في أمر من أسره, فاختار مالك، وحكم له؛ وذلك لأنه كان حرًّا شريفًا. ثم فك أسره، بأن أعطى فدية عن نفسه لمالك وفديتين أصغر منها إلى الزهدمين١.

ولم تكن "المثلة" بقتيل الحرب أو بالأسير محرمة من قوانين ذلك اليوم. فقد كانوا يمثلون بقتلى الحرب وبالأسرى بتقطيع أجزاء جسمهم، وتشويه الجسم. يفعلون ذلك بالأسير حتى يموت، وهو يشاهد أعضاءه تقطع قطعًا من جسمه. وفي "يوم الرقم" انهزم الحكم بن الطفيل في نفر من أصحابه، فيهم "خوّات بن كعب" حتى انتهوا إلى ماء يقال له: المرورات، فقطع العطش أعناقهم فماتوا، وخنق الحكم بن الطفيل نفسه مخافة المثلة، فقال في ذلك عُروة بن الورد:

عجبت لهم إذا يخنقون نفوسهم ... ومقتلهم تحت الوغي كان أعذرا٢

والقاعدة في الغزو والحروب والغارات، أن القاتل يأخذ سلب المقتول. يأخذ ما يجده عنده، وقد أقر ذلك في الإسلام، فجعل السلب للقاتل لا ينازعه في


١ الأغاني "١٠/ ٣٧".
٢ نهاية الأرب "١٥/ ٣٦٤"، "يوم الرقم".

<<  <  ج: ص:  >  >>