وإذا صحّ أن الشعر المنسوب إلى حسّان بن ثابت الذي افتخر فيه بانتسابه إلى "هود بن عابر"، وبأن قومه وهم من "قحطان" منهم، هو لهذا الشاعر حقا، يكون لدينا أول دليل يثبت أن هذا الانتساب كان معروفًا عند ظهور الإسلام١. وأن أهل "يثرب"، وهم من الأوس والخزرج، وهم من قحطان في عُرف النَّسّابين، كانوا قد انتسبوا إليه قبل الإسلام. أخذوا ذلك من اليهود النازلين بينهم، الذين كانوا يحاولون التقرب إلى أهل يثرب، للعيش معهم عيشة طيبة. فأشاعوا بين الناس أن "عابرا"، وهو جدّ العبرانيين، ووالد ولدين هما "فالغ" و"يقطان" كان جدّهم وجدّ أهل يثرب، لأن أصلهم من يقطان، وأن علاقتهم لذلك بهم هي علاقة أبناء عمّ بأبناء عمّ. ولما نزل الوحي بخبر "هود"، وتفاخر المكّيّون على أهل يثرب الإسلام، استعار أهل يثرب "هودا"، وصيّروه "قحطانًا"، أو ابنًا له، وانتسبوا إليه، ليظهروا بذلك أنهم كانوا أيضا من نسل نبي، وأن نبوءة قديمة كانت فيهم، وقد كان "حسان بن ثابت" من المتعصبين للأزد قوم أهل يثرب، والأزد من قحطان، وكان من المتباهين بيمن وقحطان.
١ "أبونا نبي الله هود بن عامر"، وسأتكلم عن ذلك في موضع آخر من هذا الكتاب وعندي أنه متحول، وأنه حمل عليه.