للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما النساء فلهن العدة، ولذلك كان بعض النسوة يشترطن على أزواجهن أن يكون أمرهن بأيديهن، إن شئن أقمن، وإن شئن تركن معاشرتهم وأوقعن الطلاق، وذلك لشرفهن وقدرهن. ومن هؤلاء النسوة: سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش الخزرجية، وفاطمة بنت الخرشب الأنمارية، وأم خارجة صاحبة المثل: أسرع من نكاح أم خارجة، ومارية بنت الجعيد، وعاتكة بنت مرّة، والسوا بنت الأعبس. وقد عرفن بكثرة ما أنجبن من ذرية في العرب، وقد تزوجن جملة رجال١.

وطريقة طلاق المرأة للرجل في الجاهلية، طريقة طريفة لا كلام فيها ولا خطاب. "كان طلاقهن أنهن إن كن في بيت من شعر حوَّلن الخباء، إن كان بابه قبل المشرق حولنه قبل المغرب. وإن كان قبل اليمن حولنه قبل الشأم، فإذا رأى ذلك الرجل علم أنها قد طلقته، فلم يأتها"٢. وهذه الطريقة هي طريقة أهل الوبر في الطلاق. ومتى طلقت المرأة زوجها. تركت داره والحي الذي يسكنه، لتعود إلى بيتها والحي الذي تنتمي إليه.

ولما كان الطلاق بيد الرجل في الغالب، لذلك كان أهل الزوجة يكرهون زوجها أحيانًا على تطليقها، إذا أرادوا تطليقها منه، بتخويفه أو بضربه أو بما شاكل ذلك من طرق حتى يرضخ لأمرهم، ويعدّ ذلك طلاقًا مشروعًا عندهم، وإن كان قد وقع كرهًا ومن غير رضى الزوج، وعدّ طلاق الغاضب والسكران والهازل طلاقًا عند بعض الجاهليين لصدور صيغة الطلاق من الرجل وتفوهه به.

هذا وللظروف الاجتماعية والاقتصادية التي كانت سائدة في ذلك الوقت دخل كبير في الطلاق. فالطلاق كان سهلًا على ما يظهر، وكان عقوبة أحيانًا يوقعها الرجل بامرأته لمسائل بسيطة تافهة، انتقامًا منها أو من ذوي قرابتها لأسباب لا علاقة لها بالزوجية وبالحياة العائلية في أكثر الأحيان، كما أن الفقر والجهل كان عاملين مهمين في وقوع الطلاق. وإلا فما ذنب امرأة تطلق مثلًا؛ لأنها منجبة للبنات، لا تلد إلا البنات؛ أو لأنها تلد البنات أكثر من الأولاد، وطالما يكون الطلاق من عصبية وهياج ومن سلطان غضب، وحين يهدأ روع المرء يندم على ما فرط منه، ولذلك شدد الإسلام فيه مع إباحته له لضرورته بأن جعله أبغض الحلال إلى الله.


١ المحبر "ص٣٩٨، ٤٣٥"، النهاية "٣/ ٤٧ وما بعدها".
٢ الأغاني "١٦/ ١٠٢"، "أخبار حاتم ونسبه"، "١٧/ ٢٩١ وما بعدها"، "بيروت ١٩٥٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>