للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكم منها عن أساطير العرب. ولكن هذا الوضع لا يخولنا نفي وجود الأساطير عند العرب، بحجة بداوتهم وضيق أفقهم وبساطة تفكيرهم، كما أنه لا يخولنا أيضًا الحكم بوجود أساطير عندهم من طراز عالٍ كما نجده عند اليونان مثلًا. ويتبين من بعض روايات الأخباريين، وهي قليلة، أن العرب كانت لهم أساطير كالذي رووه من أن العيوق" عاق "الدبران" لما ساق إلى الثريا مهرًا، وهي نجوم صغار نحو عشرين نجمًا، فهو يتبعها أبدًا خاطبًا لها، ولذلك سموا هذه النجوم القلاص١ وكالذي رووه عند "العَبُور" و"الغُمَيصاء" و"سُهَيْل". وقد كانت هذه النجوم مجتمعة، فانحدر سُهَيْل فصار يمانيًّا، وتبعته العَبُور فعبرت المجرة، وأقامت الغُمَيْصاء فبكت لفقد سهيل حتى غمصت٢. وكالذي رووه من أن "الزُّهرة" كانت امرأة حسناء، فصعدت إلى السماء ومسخت نجمًا، وأمثال ذلك من قصص يظهر أنه من بقايا قصص أطول قديم٣.

وإذ لم تصل إلينا نصوص دينية جاهلية، صعب علينا تكوين فكرة صحيحة عن مفهوم الدين عند العرب، وعن كيفية عبادتهم لآلهتهم، وعن كيفية تصورهم للآلهة، خاصة عند العرب الذين عاشوا قبل الميلاد.

وقد تعنينا أسماء الآلهة والأعلام المركبة في تكوين وجهة نظر عن صفات آلهة الجاهليين. فكلمات مثل "ود" و"شرح" و"سعد" و"سمع"، أو تعابير مثل "ذت حمم" "ذات حميم" و"ذت صنتم" "ذات صنتم" و"ذت رحبن" "ذات رحبن" و"ذت بعدن" ذات بعدن" "وذ قبضم" "ذو قبضم" وما شابه ذلك، لا بد أن تكون لها معانٍ خاصة تشير إلى صفات الآلهة التي قيلت لها، فتفيدنا في فهم عبادة الجاهليين وتفكيرهم في تلك الآلهة.

وإذا كانت بعض أسماء الآلهة أو صفاتها واضحة مفهومة تمكن الاستفادة منها في تكوين فكرة عن الآلهة، فإن هناك بعضًا آخر يحيط بمعناه الغموض، فلا نستطيع شرح معناه أو ترجمته إلى اللغات الأخرى. وليس من المعقول بالطبع عدم وجود مدلول أو مراد لأسماء هذه الآلهة عند من وضعها لها، ونسبها إليها، وإنما المعقول هو أن هذه المسميات نسيت بتقادم الزمن وبزوال دولتها وعظمتها


١ بلوغ الأرب "٢/ ٢٣٩".
٢ بلوغ الأرب "٢/ ٢٣٩".
٣ البلخي: البدء والتأريخ "٣/ ١٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>