للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الوجود، وضاعت معالمها، فلم يبق منها إلا الأسماء المجردة١. ولعل معانيها كانت غامضة حتى على من كان يتعبد لها، لاختفائها منذ زمن طويل، وعدم ورود نصوص مدونة على المتعبدين لها في هذه المعاني، وهذا شيء مألوف معروف.

وتختلف نظرة الإنسان إلى الخالق والخلق باختلاف تطوره ونمو عقله، ولهذا نجد فكرة "الله" "الإله" التي تقابل كلمة Deus في اللاتينية وكلمة Theos في اليونانية وكلمة God في الإنكليزية، تختلف باختلاف مفاهيم الشعوب ودرجات تقدمها. فهي عند الشعوب البدائية القديمة والحديثة في شكل يختلف عن مفهومها عند الشعوب المتحضرة. كذلك اختلفت عند سكنة البوادي عند سكنة الجبال والهضاب، ويختلف مفهوم فكرة الله عند الشعوب السامية عنها عند الشعوب الآرية؛ لأسباب عديدة يذكرها علماء تأريخ الأديان٢. بل يختلف هذا المفهوم في داخل الشعب الواحد، يختلف فيه باختلاف ثقافة الإنسان وتقدم مداركه العقلية، فتصور كل إنسان خالقه على قدر عقله ودرجة ثقافته، صوَّره وكأنه مرآة صافية لنفسه ولدرجة نمو عقله، ومن هنا قيل: إن الإنسان يصنع إلهه بنفسه، أي يصوره على نحو صورته ومبلغ تفكيره.

يقول "أكسينوفان" Xenophanes: "تصور الأحباش آلهتهم فطس الأنوف، سودًا. وتصور أهل "تراقية" Thracians آلهتم ذوي عيون زرق وشعر أحمر. وزعم اليونان أن تصورهم للآلهة هو التصور الصحيح. أما تصور الزنوج وأهل تراقية عن آلهتهم، فهو تصور فاسد باطل! ولو كان للماشية والخيل والسباع أيد تتمكن من الرسو والنحت، لرسمت الخيل آلهتها على صورة خيل، ولنحتت تماثيلها على صورتها، ولرسمت الماشية ونحتت آلهتها على صورتها وهيئتها، تمامًا كما يصور الإنسان وينحت آلهته على صورته وقدر إدراكه. كل صنف يتصور ويرى آلهته على صورته"٣. وقد نسب اليونان إلى آلهتهم كل الصفات والأعمال الإنسانية المعروفة بين اليونانيين، فتصوروهم على هيئة بشر، لهم الفضائل، ولهم الرذائل، يتزوجون وينسلون ويحبون ويعشقون ويسرقون ويكرهون ويتخاصمون بينهم ويتاحسدون.


١ Handbuch, S. ١٨٩.
٢ Ency. Religi, vol. ٦, p. ٢٤٣, W. Robertson Smith, Lectures on the Religion of the Semites, London, ١٨٩٤, p. ٥, Ency. Britd, ١٠, p. ٤٨٠, Lyod.
٣ Ency. Religi, ١٠, p. ١١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>