للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا بد أيضًا لدراسة الدين عند الجاهليين دراسة صحيحة من الرجوع إلى أصول الأشياء، وأعني بأصول الأشياء هنا ديانة الساميين الأولى بشكلها البدائي القديم. فمن تلك الشجرة تفرعت أديان الشعوب السامية، وفي ذلك الدين نجد الأصول والأسس التي بنيت عليها الديانات الفروع.

أما كيف نتمكن من الرجوع إلى الأصل ومن معرفة ديانة الساميين القديمة، فموضوع ليس بالسهل اليسير، ونحن وإن كنا نملك بعض المؤلفات والبحوث عن أديان الساميين لا نستطيع أن نجرؤ فنقول إن البحث قد نضج فيه، وإن القوم قد استوفوه من أطرافه وأكملوه، بل إن كثيًرا مما تطرق إليه العلماء هو موضع جدل واختلاف، ولن يمكن التوصل إلى نتائج مقبولة معقولة إلا إذا تمكن الباحثون من الحصول على وثائق جديدة تكشف النقاب عن أديان قدماء الساميين.

وللتوصل إلى تكوين رأي عن أديان الساميين القديمة لا بد من دراسة النصوص الدينية السامية كلها، ودراسة كل ما له صلة بالدين عند الساميين، ومقارنة الأديان السامية بعضها ببعض ومراجعة الأصول اللغوية للمصطلحات الدينية عند جميع الشعوب السامية للتوصل منها إلى الأسس العميقة المدفونة التي أقيم عليها بنيان ديانة الساميين. ثم لا بد أيضًا من دراسة المؤثرات الخارجية التي أثرت في الساميين من عوامل طبيعية ومن عوامل أخرى غير طبيعية ومن الأثر الثقافي الذي كان لغير الساميين في الساميين.

ويتبين من دراسة الأساطير السامية وجود شكل من أشكال التوحيد Henoteism عند القبائل السامية البدائية، يمثل في اعتقاد القبيلة بوجود إله لها واحد أعلى، غير أن هذا لا يعني نفي اعتقادها بتعدد الآلهة. فإننا نرى أن تلك القبائل كانت تعتقد، في الوقت نفسه، بالأرواح كأنها كائنات حية ذات أثر وسلطان في مصير هذا الكون. وفي ضمنه الإنسان، وبآلهة مساعدة للإله الكبير١.

والديانات السامية، وإن كانت في الأصل من ديانة قديمة، قد تطورت وتغيرت بعوامل عديدة من العوامل التي تؤثر في كل المجتمعات البشرية فتحدث فيها انقلابًا في التفكير وفي طراز الحياة. ومن هذه العوامل المؤثرات الخارجية والمحيط الجديد. وسنجد أن ديانة العرب الجنوبيين، وإن كانت في الأصل من تلك الديانة السامية


١ Ency, Religi, II, p. ٢٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>