إذ يتبادر إلى ذهن تلك القبيلة أن تلك الهزيمة التي نزلت بها إنما كانت بسبب ضعف ربها واستكانته وعدم اقتداره في الدفاع عنها، ولذلك تقرر الاستغناء عنه والتوجه إلى رب قوي جديد. وقد يكون ذلك الرب هو رب القوية المنتصرة، أو رب قبيلة من القبائل التي عرفت بتفوقها في الحروب، فيكون التوفيق حليف ذلك الرب. وهكذا الأرباب في نظر قبائل تلك الأيام كالناس لها حظوظ، والحظ هو دائمًا في جانب القوي.
وكان على كهان صنم القبيلة المغلوبة إيجاد تفسير لعلة الهزيمة التي لحقت بعبدة ذلك الصنم، والبحث عن عذر يدافعون به عن الصنم، ويلقون اللوم فيه على أتباعه؛ لتبرئة ذمته وإبعاد المؤمنين به عن الشك في قدرته وعظمته. فكان من أعذارهم، أن الهزيمة عقاب من الإله أرسله إلى أتباعه لابتعادهم عن أوامره ونواهيه، ولعدم إطاعتهم أحكام دينه، ولمخالفتهم آراء رجال دينهم وكهانه. ولن تنقشع عنهم النكبة، ويكتب لهم النصر، إلا إذا تابوا وعملوا بأوامر الكهان وأرضوا الآلهة، وعملوا بها أوجبته شريعتهم عليهم. وهكذا يلوم الكهان الناس، دفاعًا عن آلهتهم التي خلقوها بأنفسهم، وحماية لمصالحهم القائمة على استغلال تلك المخترعات، التي نعتوها آلهة وأصنامًا.
ولما كانت الآلهة آلهة قبائل، كان نبذ الفرد لإلهه معناه نبذه لقبيلته وخروجه على إجماعها، فلا يسع شخصًا أن يغير عبادة إله القبيلة إلا إذا خرج على قبيلته وتعبد لإله آخر. فإن تغيير عبادة الأفراد لأصنامهم في نظر قدماء الساميين أمر إد، هو بمثابة تبديل الجنسية في العصر الحاضر. إن عبادة الأصنام عبادة موروثة يرثها الأبناء عن الآباء، وليست بشيء اختياري، فليس للرجل أن يختار الصنم الذي يريده بمحض مشيئته. إن الصنم دين وهو رمز للقبيلة، والمحامي المدافع عن شعبه، والرابطة التي تربط بين الأفراد، فالخروج عليه معناه خروج على إرادة الشعب وتفكيك لوحدته، وهو مما لا يسمح به وإلا تعرض الثائر للعقاب١.
نعم، كان في إمكان أصحاب الكلمة والسيادة والرئاسة تغيير أصنام القبيلة، أو تبديل دينها، كما سنرى فيما بعد. فهؤلاء هم سادة، والناس تبع لسادتهم،