للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحُواء وأصحاب الزجر والخط، ومذهب الكاهن والعياف والساحر، وصاحب الجن الذي يزعم أن معه تابعه١.

وقد أحكم من ذلك أمورًا. فمن ذلك، أنه صب على بيضة من خل قاطع، حتى لان قشرها، فأدخلها في قارورة ضيقة الرأس وتركها حتى جفت ويبست، وعادت إلى هيئتها الأولى، فأخرجها إلى "مجاعة بن مرارة بن سلمى الحنفي" اليمامي، وأهل بيته، وهم أعراب، وادعى بها أعجوبة وأنها جعلت له آية، فآمن به من في ذلك المجلس: مجاعة وغيره. ومن ذلك أنه كان قد حمل معه ريشًا في لون ريش أزواج حمام، وقد كان يراهن في منزل مجاعة مقاصيص. فالتفت، بعد أن أراهم الآية في البيض، إلى الحمام فقال لمجاعة: إلى كم تعذب خلق الله بالقص؟! ولو أراد الله للطير خلاف الطيران لما خلق لها أجنحة، وقد حرمت عليكم قص أجنحة الحمام! فقال له مجاعة كالمتعنت: فسل الذي أعطاك في البيض هذه الآية أن ينبت لك جناح هذا الطير الذكر ساعة؟

قال مسيلمة: فإن أنا سألت الله ذلك، فانتبه له حتى يطير وأنتم ترونه، أتعلمون أني رسول الله إليكم؟ قالوا: نعم. قال: فإني أريد أن أناجي ربي، وللمناجاة خلوة، فانهضوا عني، وإن شئتم فادخلوني هذا البيت وادخلوه معى، حتى أخرجه إليكم الساعة وافي الجناحين يطير. وأنتم ترونه ولم يكن القوم سمعوا بتغريز الحمام، وكانوا بسطاء لا يعرفون حيل المحتالين، فلما خلا بالطائر أخرج الريش الذي قد هيأه فأدخل طرف كل ريشة مما كان معه في جوف ريش الحمام المقصوص، من عند المقطع والقص. فلما غرز ريشه أخرجه، وأرسله أمامهم من يده فطار، واعتبروا عمله آية.

ثم إنه قال لهم: إن الملك ينزل إلي، والملائكة تطير وهي ذوات أجنحة، ولمجيء الملك زجل وخشخشة وقعقعة، فمن كان منكم ظاهرًا فليدخل منزله، فإن من تأمل اختطف بصره! ثم صنع راية من رايات الصبيان التي تعمل من الورق الصيني، ومن الكاغد، وتجعل لها الأذناب والأجنحة، وتعلق في صدورها الجلاجل، وترسل يوم الريح بالخيوط الطوال الصلاب. ثم أرسلها مع الريح، وهم لا يرون الخيوط، والليل لا يبين عن صورة الرق، وعن دقة الكاغد،


١ الحيوان "٤/ ٣٦٩ وما بعدها"، المعارف "٤٠٥".

<<  <  ج: ص:  >  >>