للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

روح الإنسان إلى طير١.

وذكر أن "الحارث بن عبد العزى" أبو رسول الله من الرضاعة، لما قدم مكة، قالت له قريش: "ألا تسمع يا حار ما يقول ابنك هذا؟ فقال: وما يقول: قالوا: يزعم أن الله يبعث بعد الموت، وأن لله دارين يعذب فيها من عصاه، ويكرم فيها من أطاعه. فقد شتت أمرنا وفرق جماعتنا"٢.

فهم ينكرون البعث والحساب، ولا يريدون سماع شيء عنهما، ولا يصدقون عودة الروح إلى الجسد بعد أن فارقته، فذلك عندهم من المستحيلات، ولذلك سخروا من البعث لما سمعوا به. وكيف يكون بعثًا وقد فنيت الأجساد، فلم تبق منها بقية!

فرأي من أنكر الحشر والبعث من أهل الجاهلية، أن الحياة حياة واحدة، هي حياتنا التي نحن فيها في دار الدنيا، ولا يكون بعد الموت بعث ولا حساب نحيا ونموت، يموت بعضنا ويحيا بعضنا، وما يميتنا إلا الأيام والليالي، أي مرور الزمان وطول العمر٣. فالحياة إذن حياة وموت في هذه الدنيا. وهي استمرار للاثنين على مدى الدهر، يولد إنسان ثم يموت ليحل محله إنسان آخر، وهكذا بلا انتهاء.

ونجد رأي الناكرين للبعث في قوله تعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} ٤. فهم يقولون: ما هي إلا حياتنا الدنيا، نموت نحن ويحيا أبناؤنا بعدنا، فجعلوا حياة أبنائهم بعدهم حياة لهم؛ لأنهم منهم وبعضهم، فكأنهم بحياتهم أحياء. والدهر الزمان، وهو الذي يهلك ويفني٥. فالحياة بهذا المعنى، فعل مستمر، وتطور لا ينتهي، يهلك جيل،


١ وهي من أبيات رويت بصور مختلفة، وفي بعضها زيادات، راجع ابن هشام "١/ ١١٣"، هامش على الروض الأنف، كتاب الصبح المنير في شعر أبي بصير "ص٣٠٨"، "طبعة أوروبة ١٩٢٧"، بلوغ الأرب "٢/ ١٩٨".
يحدثنا الرسول بأن سنحيا ... وكيف حياة أصداء وهام؟
بلوغ الأرب "٢/ ١٩٢".
٢ الروض الأنف "١/ ١٠٧".
٣ تفسير الطبرسي "٢٥/ ١٣٦"، "بيروت"، "٢٥/ ٧٨"، "طهران".
٤ الجاثية، الآية ٢٤، تفسير الطبري "٢٥/ ٩١"، روح المعاني "٢٥/ ١٣٩".
٥ تفسير الطبري "٢٥/ ٩١ وما بعدها"، "بولاق"، "٢٥/ ١٥١ وما بعدها".
"القاهرة ١٩٥٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>