للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معهم، كما كان قد عاش معهم، أو أن حرصهم على حرمة القبر، إنما كان عن مراعاتهم لحرمة القبر، وعلى منزلة الموتى، فالمس بحرمة القبر، مس بحرمة الميت، وانتهاك لمقامه ولمكانته، ولما كان عليه في هذه الحياة!

وهناك من كان يعتقد أن الميت وإن غيب في قبره وانقطعت علاقته بآله وذويه إلا أن روحه لن تموت، وأنه يظل وهو في قبره يقظًا، متتبعًا لأخبار أهله. تخبره بها هامته التي تكون عند ولد الميت في محلته بفنائهم؛ لتعلم ما يكون بعده فتخبره به، حتى قال الصلت بن أمية لبنيه:

هامي تخبرني بما تستشعروا ... فتجنبوا الشنعاء والمكروها١

وأما ما ورد في الشعر الجاهلي من أمر الحشر والنشر والحساب والكتاب والعالم الثاني، فهو مما ورد ودوِّن في الإسلام، ولم أجد في رواية من روايات أهل الأخبار أن أحدًا من رواة الشعر الجاهلي، ذكر أنه نقل ما نقل من هذا الشعر من ديوان جاهلي، أو من كتاب كتب قبل الإسلام، ومع ذلك، فإن هذا المروي عن العالم الثاني قليل، لذلك لا نتمكن لقلته من تكوين صورة واضحة عن ذلك العالم ومن التحدث بطلاقة عن رأي أصحاب هذا الشعر في الحشر والنشر والبعث.

وأما ما ورد في شعر "أمية بن أبي الصلت" عن الحساب والثواب والعقاب والجنة والنار، فهو أوسع ما ورد في الشعر الجاهلي في هذا الموضوع. وأمية، هو الشاعر الجاهلي الوحيد الذي جاء أكثر شعره في نزعات دينية وفكرية، ذلك لأنه كان في شك من عبادة قومه، وكان على شاكلة غيره ممن سئم تلك العبادة، ينهى قومه عنها، ويسفه أحلامها، وقد تأثر باليهودية وبالنصرانية. وفي شعره اعتقاد بالجنة والنار والبعث. وبصحة المعاد الجسماني، وبوجود الجنة والنار بالمعنى الحقيقي، لا المجازي، وهو يتفق في ذلك مع الإسلام. كما تحدثت عن ذلك في الفصل الخاص بالأحناف.

وكان "الأعشى" ممن يؤمن بالله وبالحساب، وقد استشهد من قال ذلك عنه


١ مروج "٢/ ١٣٣".

<<  <  ج: ص:  >  >>