وذكر "السكري" أن أكثر العرب كانوا يؤمنون بالبعث. واستشهد على ذلك بشعر للأعشى، ذكر فيه الحساب. كما ذكر أنهم كانوا يؤمنون بالحساب، واستشهد على رأيه هذا بشعر للأخنس بن شهاب التميمي١. وقول "السكري" هذا مردود بما رد في القرآن الكريم من إنكار أغلبهم للحساب والبعث والكتاب، وأما الذين قالوا بالبعث، فهم طائفة لا تصل إلى مستوى الكثرة أو الكل حتى نستعمل صيغة التعميم.
وإذا كان ما تصوره أهل الجاهلية عن البعث والحشر صحيحًا على نحو ما ذكره أهل الأخبار فلا يستبعد أن يكون القائلون به أو بعضهم قد تصوروا الحساب على نحو ما يحاسب الإنسان على عمله في دنياه. ويلاحظ أن القيامة والبعث والحشر والجنة والنار هي من الكلمات العربية التي لا يستبعد أن يكون لها مفهوم قريب من مفهومها الإسلامي عند الجاهليين.
أما كيف تصور أولئك الجاهليون حدوث البعث والحشر، هل هو قصاص وثواب وعقاب وحساب وجنة ونار، أو هو بعث وحشر لا غير، فأهل الأخبار لم يأتوا عنه بجواب، ولم يذكروا رأي تلك الفئة المقرة بالبعث والحشر في ذلك. ولهذا فليس في استطاعتنا إعطاء صورة واضحة عن الحشر وعما يحدث بعده من تطورات وأمور.
ولم تتحدث الكتابات الجاهلية عما سيحدث للإنسان بعد موته. وكل ما ورد فيها هو توسل إلى الآلهة بأن تنزل غضبها على كل من يحاول تغيير قبر، أو إزالة معالمه، أو دفن ميت غريب فيه، وأن تنزل به الأمراض والآفات والهلاك. ولم تذكر تلك النصوص السبب الذي حمل أهل القبور على التشدد في المحافظة على القبر وعلى ضرورة بقائه ودوامه. فلا ندري إذا كان ذلك عن تفكير بوجود بعث، ويتصور قيام الميت من قبره مرة أخرى، ورجوعه ثانية إلى الحياة، أو إلى عالم ثانٍ، هو عالم ما بعد الموت، ولهذا حرصوا حرصًا شديدًا على عدم السماح بدفن أحد في قبر، إلا إذا كان من أهل صاحب القبر ومن ذوي رحمه، حتى لا يتأذى الميت من وجود الغرباء، وليستأنس بأهله وبذوي قرابته مرة أخرى بعد عودة الحياة إليه، فيرى نفسه محشورًا معهم، ومع من أحبه في حياته، عائشًا.