للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا تتركن أباك يمشي خلفهم ... تعبًا يخر على اليدين وينكب

احمل أباك على بعير صالح ... وابق الخطيئة إنه هو أصوب

ولعل مالي ما تركت مطية ... في اليم أركبها إذا قيل اركبوا١

وذكر أنهم كانوا يحفرون للبلية حفرة وتشد رأسها إلى خلفها وتبلى، أي تترك هناك لا تعلف ولا تسقى حتى تموف جوعًا وعطشًا. وكانت النساء، يقمن حول راحلة الميت فينحن إذا مات أو قتل، وقد عرفن بـ"مبكيات"٢.

وفي رواية أن بعض المشركين كان يضرب راحلة الميت بالنار وهي حية حتى تموت٣، يعتقدون أنهم إنما يفعلون ذلك؛ ليستفيد منها الميت بعد الحشر٤.

وإذا كانت عقيدة الجاهليين في عقر الحيوانات المسكينة وإهلاكها قد ماتت وزالت؛ بسبب تحريم الإسلام لها، فإن فكرة حشر الناس ركبانًا لا تزال باقية حية عند بعض الناس. فالذين يقدمون "العقيقة" في الحياة أو يقدمونها حين الوفاة ومع نقل الجنازة أو على القبر، يختارون أحسن الحيوانات وأقواها لتتمكن من حملهم يوم الحشر، وتنهض بهم، فيسير راكبًا، ولا يحشر وهو مترجل يسير في تلك الساعات الرهيبة ماشيًّا على قدميه.

ويقال للموت وللحساب "اللزام"٥.

ولا أعتقد أن نحر الإبل على القبر وتبليله بدم الإبل المذبوحة٦، مجرد عادة يراد بها إظهار تقدير أهل الميت له، أو تمثيل كرم الراحل حتى بعد وفاته، بل لا بد أن يكون هذا النحر من الشعائر الدينية والعقائد الجاهلية التي لها علاقة بالموت وباعتقادهم أن موت الإنسان لا يمثل فناء تامًّا وإنما هو انتقال من حال إلى حال.


١ الشعر لـ"جريبة بن الأشم الفقعسي" يوصي ابنه به وقد ورد بصور أخرى، راجع الروض الأنف "١/ ٩٦" النهاية لابن الأثير "١/ ١١٥"، اللسان "١٤/ ٨٥ وما بعدها" تاج العروس "١٠/ ٤٣"، طبقات الأمم "٤٩".
٢ اللسان "١٤/ ٨٥ وما بعدها"
٣ المخصص "٦/ ١٢٢" اللسان "١٦/ ١٥" الأغاني "٦/ ١٢٢".
٤ الأغاني "١٦/ ٤٨"، "أخبار زيد الخيل"، "١٧/ ١٧٦"، "بيروت ١٩٥٥"، Reste, s. ١٨٠
٥ تاج العروس "٩/ ٥٩"، "لزم، المخصص "٦/ ١٢٢".
٦ الأغاني "١٩/ ٨٨".

<<  <  ج: ص:  >  >>