للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا نشرك به شيئًا، وإن نخلع هذه الأوثان التي كان آباؤنا يعبدون معه؟ قال: اللهم نعم. ثم سأله عن الفرائض، فأسلم. فلما قدم على قومه، فاجتمعوا إليه "فكان أول ما تكلم به، أن قال: بئست اللات والعزى. قالوا: مه يا ضمام اتق البرص، اتق الجذام، اتق الجنون، قال: ويلكم أنهما والله ما يضران وما ينفعان"١ فالعقاب عقاب مادي في هذه الدنيا، ترسله الآلهة على الإنسان.

غير أن فريقًا من الجاهليين كما يقول أهل الأخبار كان يؤمن بالبعث وبالحشر بالأجساد بعد الموت، ويستشهدون على ذلك بـ"العقيرة" وتسمى البلية" أيضًا. والبلية الناقة التي كانت تعقل عند قبر صاحبها إذا مات حتى تموت جوعًا وعطشًا. ويقولون إنه يحشر راكبًا عليها، ومن لم يفعل معه هذا حشر راجلًا، وهذا مذهب من كان يقول منهم بالبعث، وهم الأقل. ومنهم زهير فإنه قال:

يُؤَخَّر فَيوضَع في كِتابٍ فَيُدَّخَر ... لِيَومِ الحِسابِ أَو يُعَجَّل فَيُنقَمِ٢

ويذكر أيضًا أنهم كانوا يعكسون رأس الناقة أو الجمل أي يشدونه إلى خلف بعد عقر إحدى القوائم أو كلها لكيلا تهرب، ثم يترك الحيوان لا يعلف ولا يسقى حتى يموت عطشًا وجوعًا، ذلك لأنهم كانوا يرون أن الناس يحشرون ركبانًا على البلايا ومشاة إذا لم تعكس مطاياهم عند قبورهم٣، وفي هذا المعنى قال الشاعر في البلية:

كَالبَلايا رُءوسُها في الوَلايا ... مانِحاتِ السَموم حَرَّ الخُدودِ

والولايا هي البراذع، وكانوا يثقبون البرذعة فيجعلونها في عنق البلية وهي معقولة. وأوصى رجل ابنه عند الموت بهذه الوصية:

يا سعدُ إما أهلكن فإنني ... أوصيك إن أخا الوصاة الأقرب


١ الاستيعاب "٢/ ٢٠٧ وما بعدها"، "حاشية على الإصابة".
٢ الروض الأنف "١/ ٩٦" الشعر والشعراء "١/ ٧٦" "بيروت ١٩٦٤م".
٣ تاج العروس "١٠/ ٤٣"، اللسان "١٨/ ٩٢" النهاية "١/ ١١٥" رسالة الغفران "٣٣٣ وما بعدها"، "بنت الشاطئ".

<<  <  ج: ص:  >  >>