للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد لخص "المسعودي آراء أهل الجاهلية في النفس والروح، فقال: "كانت للعرب مذاهب في الجاهلية في النفوس، وآراء ينازعون في كيفياتها، فمنهم من زعم أن النفس هي الدم لا غير، وأن الروح الهواء الذي في باطن جسم المرء من نفسه، ولذلك سموا المرأة منه نفساء، لما يخرج منها من الدم، ومن أجل ذلك تنازع فقهاء الأمصار فيما له نفس سائلة إذا سقط في الماء: هل ينجسه أم لا؟ قال تأبط شرًّا لخاله الشنفرى الأكبر وقد سألة عن قتيل قتله، كيف كانت قصته؟ فقال: ألجمته عضبًا، فسالت نفسه سكبًا. وقالوا إن الميت لا ينبعث منه الدم، ولا يوجد فيه، بدأ في حال الحياة، وطبيعته طبيعة الحياة والنماء مع الحرارة والرطوبة؛ لأن كل حي فيه حرارة ورطوبة، فإذا مات بقي اليبس والبرد، ونفيت الحرارة"١.

ثم تطرق "المسعودي" إلى رأي من قال إن النفس طائر ينبسط في جسم الإنسان، فإذا مات أو قتل لم يزل مطيفًا به متصورًا إليه في صورة طائر يصرخ على قبره مستوحشًا، يسمونه الهام، والواحدة هامة٢.

ونظرًا إلى قلة ما لدينا من موارد عن الروح والنفس وعلاقتهما بالجسد، عند الجاهليين، فإننا لسنا في وضع نستطيع فيه أن نتحدث عن رأي عموم الجاهليين في تركيب الإنسان. هل هو من "جسد" و"روح"، أو "جسد" و"نفس" أي ثنائي التركيب، أو أنه من "جسد" و"روح" و"نفس"، أي ثلاثي التركيب. فقد رأينا أنهم يجعلون الروح والجسد شيئًا واحدًا أحيانًا، ويفرقون بينهما أحيانًا، ويفرقون بينهما أحيانًا أخرى. ولكننا نستطيع أن نقول إن غالبيتهم كانت ترى أن الإنسان من جسد، هو الجسم، أي مادة، ومن شيء لطيف ليس بمادة هو الروح أو النفس، وهما مصدرا القوى المدركة في الإنسان ومصدرا الحياة. وأن بانفصالهما عن الجسد، أو بانفصال الجسد عنهما يقع الموت.

ويظهر من مخاطبات الوثنيين للأصنام، كأنهم كانوا يتصورون أن لها روحًا وأنها تسمع وتجيب. ومن الجائز حلول الروح في الجماد. وقد ورد عن "ابن الكلبي" عن "مالك بن حارثة" أن والد مالك هذا كان يعطيه اللبن، ويكلفه


١ مروج "٢/ ١٣٢".
٢ مروج "٢/ ١٣٣".

<<  <  ج: ص:  >  >>