للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله الدهر"، أو "فإن الدهر هو الله" ومن حديث: "يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وإنما أنا الدهر: أقلب الليل والنهار"١. وأحاديث أخرى من هذا القبيل. وقد ذكر "الجاحظ أن من الصحابة والتابعين والفقهاء من نهى الناس من قول: طلع سهيل وبرد سهيل، وقوس قزح، كأنهم كرهوا ما كانوا عليه من عادات الجاهلية، ومن العود في شيء من أمر تلك الجاهلية، فاحتالوا في أمورهم، ومنعوهم من الكلام الذي فيه أدنى متعلق٢.

وفي هذين الحديثين توفيق فكرة الجاهليين في الدهر، وللعقيدة الإسلامية في التوحيد بأن صير الدهر الله، وصيره بعض العلماء من أسماء الله الحسنى. والذي حملهم على ذلك، على ما أرى، صعوبة إزالة تلك الفكرة التي رسخت في النفوس منذ القدم عن فعل الدهر، وعن أثره في الكون، فرأى القائلون بذلك إزالتها بجعل الدهر اسمًا من أسماء الله، أو هو الله تعالى: وهو واحد أحد، والدهر واحد أبدي أزلي كذلك، فلا تصادم في هذا التوفيق بين الرأيين.

وقد وقع هذا التوفيق على ما أعتقد بعد وفاة الرسول في أمور عديدة نسبت إلى الرسول، وقد ثبت عدم إمكان صدورها منه. وللحكم على صحة نسبة الحديثين إلى الرسول أحيل القارئ على الطرق التي وردا بها، وإلى آراء العلماء فيهما، وأعتقد أنه إن فعل ذلك فسيجد في نسبتها إلى الرسول بعض الشك، إن لم أقل كل الشك.

وتعبر لفظة "الزمان" عن معنى "الدهر" كذلك. وقد ذهب علماء اللغة إلى أن الزمان، أقصر من الدهر؛ إذ يقع على الزمان القصير، أما الدهر، فالزمان الدائم، أي الزمان الذي لا ينتهي بنهاية. وأنا لا يهمني في هذا المكان تفريق العلماء بينهما في الطول والقصر، إنما المهم عندي هو أن الجاهليين استعملوا الزمان استعمالهم للدهر، ونسبوا إليه ما نسبوه للدهر من فعل في الإنسان وفي الحياة والعالم. هذا "زهير بن أبي سلمى" يتشكى منه في قصيدته التي يمدح بها "هرم بن سنان"، فيقول في مطلعها:


١ اللسان "٥/ ٣٧٨"، "دهر"، تاج العروس "٣/ ٢١٨"، "دهر"، المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي، تفسير الطبرسي "٢٥/ ١٣٦"، "بيروت ١٩٥٥"، صحيح مسلم "١٥/ ٢ وما بعدها".
٢ الحيوان "١/ ٣٤٠ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>