للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونسبوا الإماتة إلى الدهر، فقالوا: "وما يهلكنا إلا الدهر" أي وما يميتنا إلا الأيام والليالي، أي مرور الزمان وطول العمر، إنكارًا منهم للصانع. قال أحدهم:

فاستاثر الدهر الغداة بهم ... والدهر يرميني وما أرمي

يا دهر قد أكثرت فجعتنا ... بسراتنا ووقرت في العظم١

فكانوا في الجاهلية يضيفون النوازل إلى الدهر، والنوازل تنزل بهم من موت أو هرم، فيقولون أصابتهم قوارع الدهر وحوادثه، وأبادهم الدهر، فيجعلون الدهر الذي يفعله، فيذمونه ويسبونه. وقد ذكروا ذلك في أشعارهم٢.

ومن الجمل التي تنسب الفعل إلى الدهر، قولهم: "أصابتهم قوارع الدهر وحوادثه، وأبادهم الدهر"، والدهر يجلب الحوادث، ففي هذه الجمل وأمثالها معنى أن ما ينزل بالإنسان من قوارع، وما يحل به من إبادة هو بفعل الدهر، فهو إذن المهيمن على العالم والمسخر له٣.

وقد كان هذا الاعتقاد راسخًا في نفوس كثير من الجاهليين، وفي نفوس كثير ممن أدرك الإسلام فأسلم، فكانوا إذا أصيبوا بمكروه وبحادث مزعج نسبوا حدوثه إلى الدهر. فسبوه كما يتضح من حديث: "لا تسبوا الدهر، فإن


١ تفسير الطبرسي "٢٥/ ١٣٦"، "بيروت ١٩٥٥"، "٢٥/ ٧٨" وما بعدها"، "طبعة طهران".
٢ تاج العروس "٢/ ٢١٨"، "دهر".
٣
ديار بني سعد بن ثعلبة الألى ... أذاع بهم دهر على الناس دائب
فأذهبهم ما أذهب الناس قبلهم ... ضراس الحروب والمنايا العواقب
Caskel, S. ٤٥..
ولست إذا ما الدهر أحدث نكبة ... ورزاء بزوار القرائب أخضعا
Caskel, S. ٥٠.
وإلا تعاديني المنية أغشكم ... على عدواء الدهر جيشا لهاما
Caskel, S. ٥١.
ابن قتيبية: الشعراء "٢٢٩".
غنينا زمانا بالتصعلك والغنى ... كما الدهر في أيامه العسر واليسر
Caskel, S. ٥١..
قال زهير بن أبي سلمى:
واستأثر الدهر الغداة بهم ... والدهر يرميني ولا أرمي
ديوان زهير "٣٨٥".

<<  <  ج: ص:  >  >>