وهي عقيدة لا بد أن يكون للأحوال الاجتماعية والاقتصادية والسياسية إذ ذاك دخل في شيوعها بينهم. ونكاد نجد أكثر الشعوب الشرقية على هذا الرأي. وأما ما ظهر من نظرية حرية الإرادة وقدرة الإنسان على خلق أفعاله واختياره، فإنه من تأثير الفلسفة الإغريقية التي دخلت النصرانية.
ونرى "حاتم الطائي" وهو من النصارى على رأي، مؤمنًا بالقضاء وبالقدر وبما يأمر به الله، إذ يقول:
أتيح له من أرضه وسمائه ... حمام، وما يأمر به الله يفعل
فأسند الأمر والنهي في هذا البيت إلى الله، وأما الإنسان فإنه مأمور مسير. ونجده يكل أمره إلى الله، ويدعو على تسليم أمرهم للإله الذي يرزقهم اليوم ويرزقهم غدًا:
كلوا اليوم من رزق الإله وأيسروا ... وإن على الرحمن رزقكم غدا
ونجد "المثقب العبدي" مؤمنًا بالله، وبالقدر. فما يقع للإنسان يكون بمشيئة الإله وقدره:
وأيقنت إن شاء الإله بأنه ... سيبلغني أجلادها وقصيدها١
و"القدر" و"المقدر" و"المقدور" و"الأقدار" و"القضاء"، من الألفاظ القديمة التي كانت تؤدي هذا المعنى الذي نبحث فيه قبل الإسلام واستعمال المتكلمين للقضاء والقدر وللقدرية، لا يعني أن تلك الكلمات من الألفاظ التي نبعت في الإسلام. بل إن ظهورها في هذا العهد واشتهارها فيه، هو لاستخدامها العلماء لها في مدولات معينة وفي مصطلحات وأفكار توسعت واستقرت في هذا العهد.
ونجد الإشارة إلى القدر في شعر الجاهليين والمخضرمين بالمعنى الذي نقصده هنا، أي شيء مفروض على كل إنسان. هذا لبيد الشاعر المخضرم يذكر أن ما يرزقه هو من فضل الله عليه، وما يحرمه فإنه مما يجري به.
١ تاج العروس "٢/ ٤٦٨"، "قصد".