للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القدر١. ونجد فكرة القدر مركزة قوية صريحة في شعره، فهو يعتقد أن القدر خيره وشره من الله، وأن ما يصيب الإنسان مكتوب عليه، ولا راد لما هو مكتوب ولا دخل لامرئ في عمله، فليحمد اله على خيره، وليشكره على شره أيضًا، فهو العالم وحده بما هو صالح وضار٢. وشعره هذا لا بد أن يكون مما نظمه في الإسلام؛ إذ لا يعقل أن يكون من نظم عصر وثني، لما يتجلى عليه من الطابع الإسلامي في الفكر وفي الأسلوب والعرض.

كذلك نجد هذه العقيدة عقيدة القدر في شعر "زهير بن أبي سلمى" وفي شعر غيره من الشعراء. هذا زهير يقول: إن المنايا أمر لا مفر منه، وإن من جاءت منيته لا بد أن يموت، ولو حاول الارتقاء إلى السماوات فرارًا منه٣. ثم نجده يقول:

رَأَيتُ المَنايا خَبطَ عَشواءَ مَن تُصِب ... تُمِتهُ وَمَن تُخطِئ يُعَمَّر فَيَهرَمِ٤

فليس للإنسان دخل في عمله، وإنما كل شيء يقع له في حياته هو مكتوب عليه. مكتوب عليه أن يموت في أجله. وأن يعيش إلى أجله، وأن يكون غنيًّا وأن يكون فقيرًا، وليس للإنسان عمل على سلطان الحظ.

ومن القائلين بالقدر، "عبيد بن الأبرص"، الشاعر الجاهلي الشهير، المقتول في قصة معروفة مشهورة. نجد في الشعر المنسوب إليه اسم "الله" يتردد في كثير من المواضع، ونراه من المتشائمين المؤمنين بالمنايا وبالمحتم المكتوب، وتراه يتوكل على الله، ويدعو الناس إلى الاعتماد عليه، فيقول:


١
فما رزقت فإن الله جالبه ... وما حرمت فما يجري به القدر
ديوان لبيد "ص٥٤"، "طبعة ليدن ١٨٩١".
ولا أقول إذا ما أزمة أزمت ... يا ويح نفسي مما أحدث القدر
Caskel, S. ٢٠.
٢
من يبسط الله عليه أصبعا ... بالخير والشر بأي أولعا
ديوان لبيد "٨، ١١، ٢٨، ٣٣، ٥٣، ٥٤، ٥٥،"، "طبعة بروكلمن" Ency, III, P. I..
٣
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ... ولو نال أسباب السماء بسلم
شرح ديان زهير لثعلب "ص٣٠"، "وطر بالذي قد حم"، Caskel, S. ٥٤.
٤ الحيوان "٢/ ١٠٣".

<<  <  ج: ص:  >  >>