للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوم معركة "أحد": "اعل هبل، اعل هبل"١. وإني أرجح أن لفظة "عل" في هذا النص، تعني "على" أي حرف جر، فيكون المعنى "على رضو الملجأ"، و"على رضو المعول".

ولم أعثر في النصوص الجاهلية على نعت يشير إلى استخفاف أو حطة بالآلهة. فلم أجد إلهًا نعت فيها باللؤم أو بالسرقة، أو بالاعتداء على الأعراض، أو رمي بالحسد، حسد الناس أو حسد أمثاله من الأرباب. كما لم أجد ما نجده في الأساطير اليونانية من وجود فروق بين الآلهة وتباين بينها في المنزلة والمكانة، بحيث نجد آلهة كبيرة غنية، وآلهة ضعيفة فقيرة تحسد الأولى وتنقم عليها، وآلهة تسرق وتنهب لحاجتها إلى المال ولفقرها، ولم أجد فيها التخصص الذي نجده في الآلهة اليونانية، من وجود آلهة للبحار، وآلهة للهواء، وآلهة للحب، وآلهة للخمر، ونحو ذلك. وكل ما نجده عندهم، هو وجود آلهة شعوب وقبائل، مثل ود إله شعب معين، والمقه إله شعب سبأ، وهبل إله قريش، وهكذا نشأت من الظروف المحلية التي عاش فيها الجاهليون.

ولا أستبعد وجود "ميثولوجيا" أي أساطير عند الجاهليين، تدور حول آلهتهم، فقد تحدثت عن رأي بعضهم في "الشعرى"، ولكني أستبعد وجود أساطير دينية معقدة عندهم على شاكلة الأساطير اليونانية، أو الأساطير المصرية أو الهندية، لما بين الظروف المحيطة بالجاهليين وبين الشعوب المذكورة من فروق. والأساطير هي من حاصل المجتمع والظروف المتحكمة في الإنسان.

وإذا وجدنا آلهة أهل الجاهلية على هذا النحو من الصفات المذكورة، حساسة ذات حس مرهف، تنفعل بسرعة، تغضب وترضى، فيجب أن نعرف أن هذه الصفات، تمثل خلق من أطلقها على أربابه، فأرباب الناس من صنعهم، هو الذي أوجد تلك الأصنام وسواها، فما دام هو موجدها، فلن تكون آلهته إلا على شاكلته، إنها صورة صادقة له.


١ Grimme, s. ٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>