والدين عقيدة، أي "إيمان" Belief وعمل. والعمل أبين وأظهر وأقوى في الديانات القديمة من الإيمان؛ بسبب أن الإيمان بالقلب، وهو لا يكون إلا بين المرء وربه، ولا يمكن لأحد الاطلاع على كنهه. أما العمل فهو تجسيد للإيمان وتعبير عنه بصور عملية واقعية. وهو الناحية المحسوسة الظاهرة للتدين. ولا يفهم البدائي من الدين إلا مظاهره، التي ترتكز على تضحية وبذل مادي لإرضاء الآلهة فعنده أنه متى بذل أعز ما يملكه في سبيل آلهته عد مؤمنًا تقيًّا، ترضى عنه الآلهة وألسنتها الناطقة بلسانها على الأرض: طبقة رجال الدين. ولهذا رأى بعض العلماء، أنه لدراسة دين من الأديان القديمة يجب الاهتمام بشعائره وبالأحكام التي فرضها على أتباعه؛ لأنها هي أساس ذلك الدين وجوهره١.
لقد كانت ديانات الجاهليين ذات حدود ضيقة، آلهتها آلهة محلية، فالإله إما إله قبيلة وإما إله موضع. وطبيعي أن تكون صلة الإنسان بإلهه متأثرة بدرجة تفكير ذلك الإنسان وبالشكل العام للمجتمع. والإله في نظرهم هو حامي القبيلة وحامي الموضع، وهو المدافع عنها وعنه في أيام السلم وفي أيام الحرب، ما دام الشعب مطيعًا له منفذًا لأوامره وأحكامه وللشعائر المرسومة التي يعرفها ويقررها ويقوم بتنفيذها رجال الدين.
ويكون إرضاء الآلهة بالتقرب إليها وبتنفيذ أوامرها التي تعينها وتثبتها خاصتها المختصة بين القبيلة أو الشعب، أعني كهانها ورجال الدين الذين يعرفون أوامرها وأحكامها خير معرفة، وهم الذين يفسرونها ويأمرون بتنفيذها بين الناس. وقد يكون هذا التنفيذ في أيام أو أشهر ثابتة معينة تكون لها قدسية وحرمة خاصة، وقد يكون في مواسم يرى الناس أن آلهتهم تكون في تلك الأوقات حاضرة متهيئة قرينة منهم تسمع شكاواهم وما عندهم من مطالب. ويكون هذا التنفيذ بصور مختلفة أهمها زيارة المعابد والتبرك بأصنامها، وتقديم النذور لها، وإيقاف الحبوس عليها. والحج إليها في الأوقات المفروضة وفي كل وقت آخر ممكن، وأداء الصدقات والزكاة، تزكية للمال، وتطهيرًا للنفس من الذنوب.
ومن أهم ما تقرب به الإنسان إلى آلهته "النذور" و"القرابين" و"المنح"، أي الصدقات والعطايا. وتدخل "الذبائح" في باب النذور والقرابين كذلك.