للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هذه النذور "الربيط". فقد كان الجاهليون ينذرون أنهم إذا عاش لهم مولود جعلوه خادمًا للبيت، أي لبيت الصنم. ومن هنا لقب "الغوث بن مر" بالربيط "لأن أمه كانت لا يعيش لها ولد، فنذرت لئن عاش هذا لتربطن برأسه صوفة، ولتجعلنه ربيط الكعبة، فعاش ففعلت وجعلته خادمًا للبيت حتى بلغ الحلم، فنزعته فلقب الربيط"١.

ويظهر من بعض الروايات أنهم كانوا يربطون الربيط بالبيت. فقد ذكروا أن أم "الغوث" لما "ربطته عند البيت أصابه الحر، فمرت به، وقد سقط وذوى واسترخى"٢، فيظهر أنهم كانوا يربطونه برباط بالموضع المقدس؛ ليكون على اتصال تام به، كما يفعل الناس اليوم من ربط مرضاهم ومن لا يعيش طويلًا من الأولاد بقبور الأولياء بخيط أو حبل، رجاء الشفاء وطول العمر. وقد يعقدون خيطًا أو شريطًا بالقبر، لهذا الغرض.

وقد كان أصحاب النذور يتنسكون ويكثرون من تعبدهم ومن تقربهم للصنم الذي نذروا له؛ ليمنَّ عليهم ويحقق لهم ما طلبوه. وقد أشار "لبيد" إلى الناسكات ينتظرن النذر بقوله:

توجس النبوح شُعثًا غبرًا ... كالناسكات ينتظرن النذرا٣

ومن نذورهم في الجاهلية، أنهم كانوا ينذرون بألا تهب الصبا حتى يذبحوا أو ينحروا٤. ويظهر أن هذه عادة كانت لها صلة بطقوس دينية جاهلية قديمة، نجدها عند أهل مكة وعند الأعراب.

وتكون النذور في حالات الشدة والضيق في الغالب. فإذا أصيب إنسان بمكروه أو أصيب عزيز له بذلك، نذر إلى آلهته نذرًا، يقدمه لها حالة تحقق الشرط، فإن صادف أن تحقق ما طلبه، وجب على الناذر الوفاء بنذوره. ونظرًا لظروف ذلك الوقت، فقد كانت النذور كثيرة ومتنوعة. منها نذور مادية، ومنها نذور


١ تاج العروس "٥/ ١٤٢"، "ربط".
٢ الروط الأنف "١/ ٨٥".
٣ ديوان لبيد "٣٣٦".
٤ الكامل "٢/ ٥٢ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>