للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحرقون الذبائح للأرباب، بل كانوا يكتفون بالذبح وبسكب دم الذبيحة على النصب كله أو بعضه، أو أنهم يتركونه يسيل إلى "الغبغب"، وليس في الذي بين أيدينا من نصوص ما يدل على أن الجاهليين كانوا يحرقون ذبائحهم لأربابهم على نحو ما كان يفعله العبرانيون، غير أن ذلك لا يمكن أن يكون مع ذلك دليلًا قاطعًا وحجة كافية في إثبات أن هذه العادة لم تكن عند جميع الجاهليين.

وهناك ذبائح من نوع آخر قدمها الإنسان إلى آلهته. من نوع لا تشمله كلمة خروف أو شاة أو بقرة أو ثور أو جمل، من نوع آخر لا تشمله أية تسمية من هذه التسميات التي تطلق على هذه الحيوانات التي يأكلها الإنسان في العادة هي ذبائح يعاقب القانون كل من يمارسها في الوقت الحاضر بأشد العقوبات، هي ذبائح بشرية قدمها الإنسان إلى آلهته لاعتقاده أنها زلفى محببة إلى نفوسها، وأنها ستفيا المجموع وتنقذه من كثير من الأوبئة والأمراض وأنواع الشر والضر، إن كان الإنسان الحديث يتبرأ منها في الزمن الحاضر ويتنكر لها ويحاول تبرئة أجداد أجداده من ممارستها قبل مئات من السنين، فالتأريخ لا يستطيع أن يجد دليلًا يثبت تبرئة أكثر أديان شعوب العالم القديمة من تقديم هذا النوع من القرابين، وفي التوراة أمثلة عديدة تتحدث عن تقديم العبرانيين لهذا النوع من القرابين إلى "يهوه" ليرضى عن شعبه، ويعفو عنه، ويتقرب منه١. كذلك نجد هذه العادة عند اليونان والرومان والهنود والفراعنة والصينيين واليابانيين وغيرهم.

أما عند الجاهليين، فذكر "فورفيريوس" Forphyrius أن أهل "دومة" Duma كانوا يذبحون في كل سنة إنسانًا عند قدم الصنم تقربًا إليه٢. وذكر "نيلوس" Nilus من عادة بعض القبائل تقديم أجمل من يقع أسيرًا في أيديهم إلى الزهرة، ضحية لها تذبح وقت طلوعها، وقد وقع ابنه "تيودولس" Theodolus أسيرًا حوالي سنة ٤٠٠م في أيدي الأعراب Saracens، وهُيِّئ ليُذبح قربانًا إلى الزُّهرة غير أن أحوالًا وقعت أفاتت عليهم الوقت المخصص لتقديم


١ الملوك الأول، الإصحاح السادس عشر، الآية ٣٤، الملوك الثاني، الإصحاح السادس عشر، الآية ٣، الإصحاح السابع عشر، الآية ١٧ الإصحاح الحادي والعشرون، الآية ٦، صموئيل الأول، الإصحاح الخامس عشر، الآية ٣٢، الملوك الثاني، الإصحاح الثالث، الآية ٢١، القضاة، الإصحاح الحادي عشر، الآية ٣٠ وما بعدها، ومواضع أخرى، Hastings, p. ٨١٣, Ency, Religi, p. ٨٦٤.
٢ Reste, s. ١١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>