للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانوا يؤكدون على تلطيخ الصنم الذي يعتر له، أو "النصب" بشيء من دم العتيرة. يفعلون ذلك على ما يظهر؛ ليحس الصنم بالدم فوقه. فيتقبله ويرضى به عنهم، ويتقبل عتيرتهم.

ويظهر من غربلة ما جاء في روايات علماء اللغة والأخبار عن العتيرة والرجبية، أن العتيرة بمعنى الذبيحة، وأن "العتر" الذبح عامة، في رجب وفي غير رجب، و"العتائر" الذبائح التي كانوا يذبحونها عند أصنامهم وأنصابهم في رجب وفي غير رجب، والتي كانوا يلطخون بدمائها الصنم الذي كانوا يعترون له. وأما "الرجبية" فهي العتائر التي تعتر في رجب خاصة، وقد كانت كثيرة. ولذلك نسبت إلى هذا الشهر. ونظرًا إلى كون الرجبية عتيرة، ذهب البعض إلى أن العتيرة الرجبية١. فظن أنهم قصدوا بذلك أن العتيرة هي الرجبية، مع أن الرجبية من العتائر، أي بعض من كل، وليست مساوية لها.

وقد كان بعض أهل الجاهلية إذا طلب أحدهم أمرًا نذر لئن ظفر به ليذبحن من غنمه في رجب كذا وكذا، أو أن يقول: إن بلغت إبلي مائة عثرت عنها عتيرة، فإذا ظفر به، أو بلغت مائة، فربما ضاقت نفسه عن ذلك، وضن بغنمه، فصاد ظبيًا فذبحه، أو يأخذ عددها ظباء، فيذبحها مكان تلك الغنم، وهي "الربيض" وإلى ذلك أشير في شعر للحارث بن حلزة اليشكري:

عننًا باطلًا وظلمًا كما تعـ ... ـتر عن حجرة الربيض الظباء٢

فذلك نوع من أنواع التحايل للتخلص من الوفاء بالنذور

وكان أهل الجاهلية لا يأكلون من هديهم٣، وإنما يأكل لحومها غيرهم. كما كانوا يضرجون البيت بدماء البدن٤، ويضرجون أصنامهم بها. وورد في رواية


١ اللسان "٤/ ٥٣٧"، "عنتر"، الأصنام "٣٢"، "مطبعة دار الكتب المصرية"، ١٩٢٤م"، تاج العروس "٣/ ٣٨٠"، "عنتر"، المخصص "٩٨ وما بعدها".
٢ "عننا" اللسان "٤/ ٥٣٧"، "عتر"، "عنتا" تاج العروس "٣/ ٣٨٠"، "عتر"، البيت رقم "٥١" من المعلقة شرح القصائد العشر، للتبريزي "ص٤٦٣ وما بعدها".
٣ تفسير القرطبي "١٢/ ٦٤".
٤ تفسير القرطبي "١٢/ ٦٥".

<<  <  ج: ص:  >  >>