للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويبدأ حج أهل الجاهلية بالإهلال، فكانوا يهلون عند أصنامهم، ويلبون إليها، فإذا انتهوا من ذلك قدموا مكة، فكان الأنصار مثلًا يهلون لمناة في معبده، أي أنهم كانوا يغادرون "يثرب" على معبد الصنم، فيكونون فيه لمراقبة هلال ذي الحجة فإذا أهلوا لبوا، ثم يسير من يسير منهم إلى مكة، لحج البيت١.

والطواف بالبيوت وبالأصنام، ركن من أركان الحج، ومنسك من مناسكه. وكانوا يفعلونه كما دخلوا البيت الحرام، فإذا دخل أحدهم الحرم، وإذا سافر أو عاد من سفر، فأول ما كان يفعله الطواف بالبيت. وقد فعل غيرهم فعل قريش ببيوت أصنامهم، إذ كانوا يطوفون حولها كالذي كان يفعله أهل يثرب من طوافهم بـ"مناة"٢.

وقد ذكر الأخباريون أن أهل الجاهلية كانوا يطوفون حول الرجمات، وهي حجارة تجمع فتكون على شبه بيت مرتفع كالمنارة، ويقال لها الرجمة٣. وكان الجاهليون يطوفون حول الأصنام والأنصاب كذلك. وذكر "نيلوس" Nilus أن الأعراب كانوا يطوفون حول الذبيحة التي يقدمونها قربانًا للآلهة٤. وكانوا يطوفون حول القبور أيضًا: قبور السادات والأشراف من الناس.

وطافوا حول "الأنصاب" ويسمون طوافهم بها "الدوار". فكانوا يطوفون حول حجر ينصبونه طوافهم بالبيت، وسموا تلك الأحجاب الأنصاب٥.

وللطواف كلمة أخرى هي "الدوار" من "دار" حول موضع من المواضع، وطاف حوله الشيء، وإذا عاد إلى الموضع الذي ابتدأ منه. ونجد هذا المعنى في شعر الشاعرين الجاهليين: امرئ القيس، وعنترة بن شداد العبسي٦. وقد ذكر علماء اللغة أن "الدوار" صنم كانت العرب تنصبه، يجعلون موضعًا حوله يدورون به، واسم ذلك الصنم والموضع الدوار. ومنه قول امرئ القيس:

فعن لنا سرب كأن نعاجه ... عذارى دوار، في ملاء مذيل٧


١ صحيح مسلم "٤/ ٦٨ وما بعدها".
٢ شرح صحيح مسلم، للنووي "٨/ ٢١ وما بعدها".
٣ تاج العروس "٣/ ٤٢٢ وما بعدها"، "عمر" اللسان "٦/ ٢٨٢".
٤ Reste, s. ١٠٨.
٥ الأصنام "٣٣، ٤٢".
٦ اللسان "٤/ ٢٩٦ وما بعدها". Shorter Ency, of Islam , p ٥٨٥.
٧ اللسان "٤/ ٢٩٧ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>