للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويظهر من ملاحظات الجاحظ المذكورة، أن من أهم مبادئ الحمس، نبذ الغارات أي الغزو، حتى جعلته قريش ركنًا من أركان دينها. كما تمسكت بركن آخر، هو عدم الدخول بمن يقع في أيدهم من النساء السبايا في حالة ما إذا أغارت قبيلة عليهم، واعتدت عليهم، فانتصرت قريش عليهم، وأخذت منها سبايا. أما الحمس الآخرون، مثل عامر بن صعصعة وثقيف والحارث بن كعب، وأمثالهم ممن تحمسوا، فلم يتمسكوا بهذه الأصول. وذكر "ابن الفقيه" أن القبائل المذكورة لم تكن في الأصل حمسًا، على دين قريش، وإنما تحمست وصارت من الخمس بتأثير قريش عليها١. وقريش تمسكوا وحدهم بالحمس، "وصاروا بأجمعهم تجارًا خلطاء"٢. وقد عرفت مكة بـ"دار الحمس"، كما جاء ذلك في شعر ينسب إلى "الكاهن اللهبي"٣. وعرفت قريش بـ "أهل الله"٤.

ونجد بين "الحمس" والحرم صلة متينة، تشير إلى الأصل الديني للحمس وإلى ارتباطهم بالكعبة. فذهب "الزمخشري" إلى أن "حمس" من "حرم"٥، ومن دلائل هذه الصلة أيضًا ما ورد في كتب أهل الأخبار من أن الكعبة كان قد عرفت بـ"الحمساء" سميت بذلك "لأن حجرها أبيض إلى السواد"٦.

ومن أن الحمس هم نزلاء الحرم٧. فبين الحمس والحرم، صلة متينة إذن حتى قيل أن المنسوب إلى الحرم من الناس "حرمي"٨. و"أن عياض بن حمار المجاشعي، كان حرمي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فكان إذا حج طاف في ثيابه. وكان أشراف العرب الذين يتحمسون على دينهم، أي يتشددون إذا حج أحدهم لم يأكل إلا طعام رجل من الحرم: ولم يطف إلا في ثيابه.


١ Kister, p. ١٣٧.
٢ الثعالبي، ثمار القلوب "٨"، أهل الله" Kister, p. ١٣٧.
٣ الروض الأنف "١/ ١١٨". ابن دريد. الاشتقاق "٤٩١". Wellhausen, Reste, s. ١٣٤. Kister, ١٣٨.
٤ Kister, p. ١٣٩.
٥ الزمخشري، الفائق، "حمس"، kister, p. ١٣٨.
٦ تاج العروس "٤/ ١٣٢"، "حمس".
٧ تاج العروس "٤/ ١٣٢"، حمس".
٨ بالكسر.

<<  <  ج: ص:  >  >>