للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكان لكل رجل من أشرافهم رجل من قريش. فيكون كل واحد منهما حرمي صاحبه"١. ويفسر لنا هذا المعنى أيضًا قولهم: "رجل حرام: داخل في الحرم"، و"الحرم بالكسر الرجل المحرم. يقال: أنت حل وأنت حرام"٢.

وقد أنجب الزواج المشروط بين قريش وبين من يتزوج منها حمسًا جددًا، انتقل الحمس إليهم عن طريق "شرط عقد الزواج" من جهة الأمهات. أما نسل هؤلاء الحمس الجدد، الذين هم في الواقع أنصاف أحماس، فقد صار حمسًا مثل قريش؛ لأنهم ولدوا من والد حسب من الحمس ومن والدة أحمسية. وبذلك لم يعد الحمس أهل مكة وحدهم، بل شمل أهل مكة ومن تزوج مكيات فأنجبن ولدًا، عدوا حمسًا بشرط العقد.

وتذكر بعض الروايات أن عقيدة "الحمس" لم تكن قديمة، بل ظهرت قبيل الإسلام: "قال ابن إسحاق" كانت قريش لا أدري قبل الفيل أو بعده، ابتدعت أمر الحمس رأيًا. فتركوا الوقوف على عرفة والإفاضة منها، وهم يعرفون ويقرون أنها من المشاعر والحج، إلا أنهم قالوا: نحن أهل الحرم. ونحن الحمس. والحمس أهل الحرم. قالوا: ولا ينبغي للحمس أن يتأقطوا الأقط ولا يسلئوا السمن، وهم حرم، ولا يدخلوا بيتًا من شعر، ولا يستظلوا إن استظلوا إلا في بيوت الأدم ما كانوا حرمًا، ثم قالوا: لا ينبغي لأهل الحل أن يأكلوا من طعام جاءوا به من الحل إلى الحرم إذا جاءوا حجاجًا أو عمَّارًا، ولا يطوفوا بالبيت إذا قدموا أول طوافهم إلا في ثياب الحمس"٣. ولم تذكر هذه الرواية سبب ظهورها، ولا من أوجدها من رجال قريش.

ويتبين من غربلة ما ذكره أهل الأخبار عن الحمس، أن الحمس هم أهل مكة الأحرار في الأصل، ثم من دان بدينهم. وجدوا أنفسهم في ضنك شديد، في واد غير ذي زرع، لا شيء عندهم غير "البيت"، فتحمسوا في دينهم وتشددوا وتعاونوا فيما بينهم على العمل معًا، وعلى الدعوة إلى عبادة رب البيت وإقراء الضيف والامتناع عن غزو غيرهم. وعن التحرش بأحد، إلا إذا تحرش بهم، وعلى إغاثة الملهوف ومساعدة من يأت البيت حاجًّا أو معتمرًا أو قاصدًا.


١ تاج العروس "٨/ ٢٤٣"، "حرم".
٢ تاج العروس "٨/ ٢٤٣"، حرم".
٣ إرشاد الساري "٣/ ٢٠٠".

<<  <  ج: ص:  >  >>