للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تجارة، وتقديم الرفادة له. ونصرة الغريب. وحافظوا على الحرمات: حرمة البيت وحرمة الحج وحرمة الأشهر الحرم، ووضعوا لأنفسهم قواعد صارمة في آداب السلوك في موسم الحج وفي غيره، تشعر أنهم كانوا ينظروا إلى أنفسهم كأنهم "جنس" فضله الله على بقية أجناس العرب، لهم مناسكهم، ولبقية العرب مناسكهم، ولهم قباب خاصة يضربونها لأنفسهم في سوق عكاظ وفي المواضع الأخرى تميزهم عن سائر من يفد إلى هذه المواضع، وترفعوا عن مصاهرة سائر الناس إلا إذا وجدوا أنهم أكفاء لهم، والكفاءة: القوة والمال. وأقاموا مجتمعهم الخاص هذا على قواعد دينية تعاونية اقتصادية "صاروا بأجمعهم تجارًا خلطاء"١. شعارهم أنهم "أهل الله"٢، دينهم "التحمس والتشدد في الدين، فتركوا الغزو كراهة للسبي واستحلال الأموال، فلما زهدوا في الغصوب لم يبق مكسبة سوى التجارة: فضربوا في البلاد إلى قيصر بالروم، والنجاشي بالحبشة، والمقوقس بمصر، وصاروا بأجمعهم تجارًا خلطاء"٣. وكان أن تفردوا بالإيلاف، وللإيلاف ارتباط بالحمس، وتوجهوا إلى التجارة والاتجار، وجمعوا بين الدين والمال، وأفسحوا المجال لمن به نشاط وهمة أن يجمع مالًا وأن يكون غنيًّا على أن يساهم بنصيبه في تحمل أعباء مجتمعهم، للدفاع عن "بيت الله" ولكسب المتحالفين معهم وتوزيع العدل فيما بينهم توزيعًا يخفف من حدة التفاوت فيما بين الغني والفقير، حتى لا يقع اختلال في التوازن بين طبقات المجتمع، يحمل الفقراء على انتزاع المال من الأغنياء كرهًا وقسرًا. وجعلوا ذلك واجبًا من واجباتهم، فحثوا على رفع الظلم، واتخذوا السقاية والرفادة، وعقدوا "حلف الفضول" للدفاع عن المحتاج، وجعلوا "الإيلاف" الذي سأتكلم عنه في الجزء الخاص بالحياة الاقتصادية، سببًا من أسباب إشاعة الرحمة ومساعدة الفقراء وتخفيف وطأة الفقر في هذه القرية: "أم القرى"، وفي ذلك يقول "مطرود بن كعب الخزاعي". في رثائة عبد المطلب.


١ الثعالبي، ثمار القلوب "١٨"، "أهل الله"، "ص١١"، "تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم".
٢ ثمار "ص١٠".
٣ ثمار "ص١١ وما بعدها"، سيرة ابن دحلان "١/ ١٤٠" حاشية على السيرة الحلبية".

<<  <  ج: ص:  >  >>