للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القوم ... كما روى البخاري عن ابن عباس قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون: نحن المتوكلون، فإذا قدموا مكة سألوا الناس"١.

ويظهر مما تقدم أن "المتوكلة" لم يكونوا جميعًا من الفقراء المحتاجين، بل كان منهم قوم أغنياء فضل الله عليهم، بدليل أنهم كانوا إذا حجوا رموا زادهم، أو أعطوه للمحتاج إليه، يفعلون ذلك ديانة وتقربًا إلى الله، كما فعل "المتوكلة" من بعدهم في الإسلام. فهم إذن طائفة من الطوائف الجاهلية المتدينة، ترى أن التقشف في الحج، يزيد في ثوابه، ويقرب أصحابه إلى رب البيت.

ويريد أهل الأخبار بالثياب "الإحرام" على ما يظهر. وهو قديم وقد عرف عند غير العرب أيضًا. وهو محاكاة لملابس رجال الدين الذين يخدمون المعابد، ويتقربون إلى الآلهة. وهو يتكون من قطعتين من: إزار ومن وشاح. ويكون أبيض اللون. واللون الأبيض من الألوان التي تعبر عن معان دينية. فقد كان رجال الدين والكهنة يلبسون الثياب البيض. كما أنه شعار الحزن عند بعض الشعوب، وفي جملتهم عرب الحجاز٢. ويظهر أن أهل مكة وهم قريش، كانوا يلبسون الإحرام، أو يكرهونه لغيرهم من العرب أو يعيرونه لهم إن كانوا من حلفائهم فيحرمون كإحرام قريش. أما من لم يتمكن من الحصول على الإحرام، فقد كان يضطر بحكم الضرورة إلى الطواف عريانًا على نحو ما يقصه علينا أهل الأخبار.

أما بالنسبة إلى أهل العربية الجنوبية من معينيين وسبئيين وقتبانيين وحضرميين، فإننا لا نستطيع أن نتحدث عن سنة الطواف حول المعابد عندهم؛ لعدم ورود شيء عن ذلك في النصوص الواصلة إلينا. ولكني لا أستبعد احتمال طوافهم حول بيوت أصنامهم على نحو ما كان يفعله أهل الحجاز؛ لأن الطواف حول بيوت الأصنام أو حول الصنم من السنن الشائعة بين العرب وعند جماعات من بين إرم والنبط.


١ تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن "٢/ ٤١١"، تفسير بن كثير "١/ ٢٣٩".
٢ Shorter Ency, of Islam, p. ١٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>