للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتلبية هي من الشعائر الدينية التي أبقاها الإسلام، غير أنه غير صيغتها القديمة بما يتفق مع عقيدة التوحيد، فصارت على هذا النحو: "لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لله، والملك لا شريك لك"١. كما جعلها جزءًا من حج مكة، بعد أن كانت تتم خارج مكة؛ إذ كانت كل قبيلة تقف عند صنمها، وتصلي عنده ثم تلبي، قبل أن تقدم مكة٢. وذلك بالنسبة لمن كان يحج مكة. فأبطل ذلك الإسلام، وألغى ما كان من ذلك من حج أهل الجاهلية. وقد رأينا صيغ التلبيات، وكيف كانت تلبيات القبائل خاصة بها، تلبي كل قبيلة لصنمها، وتوجه نداءها إليه.

وتردد جمل التلبية بصوت مرتفع، ولعل ذلك لاعتقاد الجاهليين أن في رفع الصوت إفهامًا للصنم الذي يطاف له بأن الطائف قد لبى داعيه، وأنه استجاب أمره وحرص على طاعته. وقد أشار بعض الكتاب "الكلاسيكيين" إلى الصخب والضجيج الذي كان يرتفع في مواضع الحج بسبب هذه التلبية.

وهناك مواضع أخرى غير متصلة بالبيت الحرام، كانت مقدسة وداخلة في شعائر الحج، منها عرفة ومنى والمزدلفة والصفا والمروة، ومواضع أخرى كان يقصدها الجاهليون لقدسيتها أو لوجود صنم بها، ثم حرمها الإسلام، فنسيت وأهملت فذهبت معالمها مع ما ذهب من معالم الجاهليين.

وتقف الحمس في حجها على أنصاب الحرم من نمرة على نحو ما ذكرت أما الحلة والطلس، أي غير الحمس من بقية العرب فيقفون على الموقف من عرفة، عشية يوم "عرفة"، فإذا دفع الناس من عرفة وأفاضوا أفاضت الحمس من أنصاب الحرم حتى يلتقوا بمزدلفة جميعًا. وكانوا يدفعون من عرفة إذا طفلت الشمس للغروب وكانت على رءوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوههم. فيبيتون بمزدلفة حتى إذا كانت في الغلس وقفت الحلة والحمس على "قزح"، فلا يزالون عليه حتى إذا طلعت الشمس وصارت على رءوس الجبال كأنها عمائم الرجال في


١ البخاري، كتاب الحج، الحديث ٣١ وما بعده، عمدة القاري "٩/ ١٧٢ وما بعدها"، بلوغ الأرب "٢/ ٢٨٨"، إرشاد الساري "٣/ ١٩٧"، "باب التلبية والتكبير إذا غدا من منى إلى عرفة".
٢ اليعقوبي "١/ ٢٢٥"، "أديان العرب".

<<  <  ج: ص:  >  >>