للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجوههم دفعوا من مزدلفة، وكانوا يقولون: أشرق ثبير كيما نغير١.

ومن مناسك الحج الطواف بالصفا والمروة، وعليها صنمان: إساف ونائلة: وكان الجاهليون يمسحونهما٢. وكان طوافهم بهما قدر طوافهم بالبيت، أي سبعة أشواط. تقوم بذلك قريش، أما غيرهم فلا يطوفون بهما، وذلك على أغلب الروايات. ويظهر أن الصفا والمروة من المواضع التي كان لها أثر خطير في عبادة أهل مكة. ففي حج أهل مكة طوافان: طواف بالبيت، وطواف بالصفا والمروة.

وبين الصفا والمروة يكون "السعي" في الإسلام، ولذلك يقال للمسافة بين المكانين "المسعى" وكان إساف بالصفا، وأما نائلة فكان بالمروة٣. ولا بد أن يكون لاقتران الاسمين دائمًا سبب، و"المسعى" هو الرابط المقدس بين هذين الموضعين المقدسين عند الجاهليين.

وكان أهل مكة يتبركون بلمس الحجر الأسود، ثم يسعون بين الصفا والمروة ويطوفون بإساف أولًا ويلمسونه، كل شوط من الطواف ثم ينتهون بنائلة ويلبون لهما. وكانت تلبيتهم لهما: "لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك، إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك"٤. وذكر أن "الأنصار"، لما قدموا مع النبي في الحج، كرهوا الطواف بين الصفا والمروة لأنهما كانا من مشاعر قريش في الجاهلية، وأرادوا تركه في الإسلام. وذكر أن قومًا من المسلمين قالوا: يا رسول الله لا نطوف بين الصفا والمروة، فإنه شرك كنا نصنعه في الجاهلية. فكان أهل الجاهلية إذا طافوا بين الصفا والمروة مسحوا الوثنيين، فلما جاء الإسلام وكسرت الأصنام، كره المسلمون الطواف بينهما لأجل الصنمين، فأنزل الله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} ٥. ويتبين من غربلة الأخبار أن الذين كانوا يطوفون بالصنمين المذكورين ويسعون بينهما. هم من عباد الصنمين وهم قريش


١ الأزرقي "٢/ ٢٢٦"، مسند ابن حنبل "١/ ٣٩، ٤٢، ٥٠، ٥٢"، الأم للشافعي "٢/ ١٨٠"،
٢ البلدان "٥/ ٣٦٥"، "٨/ ٣٨"، إرشاد الساري "٣/ ١٨٧".
٣ Rest, s. ٧٧.
٤ المحبر "٣١١"، الأزرقي "١/ ١١٢".
٥ البقرة، الآية ١٥٨، أسباب النزول "٣٠ وما بعدها"، تفسير الطبري "٢/ ٤٣"، "طبعة البابي ١٩٥٤م".

<<  <  ج: ص:  >  >>