للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدينية عندهم، ولا سيما اللحية لما لها من علاقة بالدين. ولهذا نجد رجال الدين والزهاد والأتقياء الورعين يحافظون عليها ويعتبرونها مظهرًا من مظاهر التدين١.

وقد كانت القبائل لا تحلق شعورها في مواسم حجتها إلا عند أصنامها، فكان الأوس إذا حجوا وقفوا مع الناس المواقف كلها ولا يحلقون رءوسهم، فإذا نفروا أتوا صنمهم مناة فحلقوا رءوسهم عنده، وأقاموا لا يرون لحجهم تمامًا إلا بذلك٢. وكانت قضاعة ولحم وجذام تحج للأقيصر وتحلق عنده٣.

وكان من عادة بعض القبائل، مثل بعض قبائل اليمن، إلقاء قرة من دقيق مع الشعر٤. وذلك أن أهل اليمن كانوا إذا حلقوا رءوسهم بمنى وضع كل رجل على رأسه قبضة دقيق، فإذا حلقوا رءوسهم سقط الشعر مع ذلك الدقيق، ويجعلون ذلك الدقيق صدقة، فكان ناس من أسد وقيس يأخذون ذلك الشعر بدقيقه، فيرمون بالشعر وينتفعون بالدقيق. وفي ذلك يقول معاوية بن أبي معاوية الجرمي:

ألم تر جرمًا أنجدت وأبوكم ... مع الشعر في قص الملبد شارع

إذا قرة جاءت تقول أصب بها ... سوى القمل إني من هوازن ضارع٥

وكان من يقصد العزى يذبح عند شجرة هناك ثم يدعون، وكان من يقصد مناة يهدي لها كما كان غيرهم يهدي للكعبة ويطوفون بها ثم ينحرون عندها، وكان عبدة ذي الخلصة في أسفل مكة يذبحون عنده كذلك٦. وكذلك كانت بقية القبائل تطوف في أعيادها حول أصنامها، وتهدي إليها، ثم تنحر عندها عند إكمالها هذه الشعائر دلالة على إكمالها شعائر الحج إلى هذه المواضع وانتهائها منها على أحسن وجه.

وتميز الحيوانات التي يهيئها أصحابها أو مشتروها للذبح في الحج بعلامات، بأن توضع عليها قلائد تجعلها معروفة، أو أن يحدث لها جرح ليسيل منه الدم ليكون ذلك علامة أنها هدي، ويقال لذلك إشعار، ومنه إشعار البدن، وهو أن يشق.


١ Smith, p. ٣٢٣.
٢ الأصنام "ص١٤"، البلدان "٨/ ١٦٩"، الأزرقي "١/ ٧٣".
٣ الأصنام "ص٤٨"، البلدان "١/ ٣١٤"، Reste, s. ٦٢.
٤ الأصنام "ص٤٨"، البلدان "١/ ٣١٤ وما بعدها"، Reste, s. ٦٢. ff.
٥ تاج العروس "٣/ ٤٨٦"، "قرر".
٦ بلوغ الأرب "١/ ٣٤٤ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>