للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقدسة التي فيها أصنامهم بأسوار، وإنما كانوا يجعلون لحرمها حجارة تكون حدًّا وعلامة للحرم. ويتبين من كلام هذا المؤرخ الذي أسر العرب ابنه وأرادوا تقديمه إلى الزهرة قربانًا على حد قوله، أنه قصد بالعرب الأعراب، ولا سيما أعراب طور سيناء، وقد كانوا أشداء غلاظًا يلقون الرعب في النفوس، وكانوا يتاجرون بالرقيق يقبضون على من يقع في أيديهم ويبيعونه في أسواق الرقيق. وجماعة هذا شأنها لا تستقر في مكان، لا يمكن بالطبع أن يكون لها معبد ثابت، وإنما يكون معبدها الموضع الذي يوضع صنم القبيلة فيه. ولتعيين الأرض الحرام توضع تلك الحجارة.

إلا أن هذا لا يعني أن معابد أهل المدر كانت مسورة أو ذات حائل دائمًا، فقد ذكرت أن حرم بيت الله بمكة لم يكن مسورًا، بل كان معلمًا بأنصاب ومكة موضع حضر. أما حرم معبد "المقه" بمأرب وكذلك أكثر معابد أهل اليمن، فقد كانت مسورة بأسوار عالية قوية، لها أبواب يدخل المتعبدون منها، تفتح وتغلق كما نفعل هذا اليوم في دور العبادة عندنا.

ومن المعابد الشهيرة: "البيت الحرام"، أي "الكعبة" بمكة، وسأتكلم عليه في موضع خاص. ومعبد "ذو الشرى" Dushare بمدينة "بطرا"، و"كعبة سنداد"، و"كعبة نجران"، ومعابد عديدة في مواضع أخرى من جزيرة العرب، ولا سيما اليمن.

والفضل في ظفرنا ببعض المعارف عن "بيت الرب" بمدينة "بطرا"، يعود إلى الكتابات النبطية، وإلى ما كتبه بعض الكتبة اليونان والسريان عنه. وقد خصص هذا البيت بعبادة الإله "ذي الشرى"، الذي هو "رب البيت"١ التي أطلقها النبط على إلههم، تذكرنا بجملة أخرى معروفة في الجاهلية عند أهل مكة، كما هي معروفة عند المسلمين حتى اليوم، هي جملة: "رب البيت"، التي تعني إله البيت، وهو الكعبة، وقد أقرها وثبتها الإسلام. وقد نعت "رب البيت"، "رب بيت ذي الشرى" بـ"الذي يفرق الليل عن النهار"٢ وهو نعت له أهمية كبيرة في تكوين فكرة عن وجهة نظر عباده إليه.


١ CIS, II, ٢٣٥, Res, ١٠٨٨.
٢ RES, ١١٠٢. Ency. Religi, p. ١٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>