للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولمكانة الحرم في نفوس الجاهليين ولأنه موطن آمن من دخل فيه صار آمنًا، كان لا بد من تحديده ووضع معالم تشير إلى نهايته، إما بوضع أنصاب على أطرافه من تجاوزها إلى داخله صار آمنًا فلا يخاف على نفسه، وإما ببناء حائل كجدار أو سياج أو أمثال ذلك ليكون إشارة على حرمة ما وراءه في الداخل. وقد جعل أهل مكة حدود حرم البيت أنصابًا من تجاوزها إلى الداخل صار في حرمة الحرم وفي حماية رب البيت.

وكانت أرض المعابد، أي حرمها، واسعة في الأصل، ذات ماء وأشجار وحمى، ثم تقلصت وضيقت وحددت بحدود، بسكن الناس حولها، وبتقربهم من المعبد، وبزيادة عدد عبَّاده فعندما يتألق نجم معبد ويكثر المؤمنون بصاحبه، يكثر زواره، ويتسابق الناس إلى السكن بجواره والتقرب منه جهد إمكانه، إذ يكون ذلك شرفًا لهم. شرف مجاورة البيت، كما يكون مكسبًا وموردًا طيبًا للمال، لرغبة الزوار في مجاورة المعبد، فيدفع هذا الطمع، أصحاب النفوذ والجاه على اختلاس الأرض والتجاوز على حدود الحروم فتضيق. كالذي حدث بمكة، إذ كان الحرم واسعًا كبيًرا، يشمل الوادي كله، فلما هبط "قصي" به وابتنى البيوت، اعتدى من جاء بعده على الحرم حتى صغر، مما دفع الخلفاء على شراء البيوت المجاورة وهدمها لإعادة أرضها إلى الحرم ليتسع صدره للناس.

وتلحق بالمعابد أرضون، يقال لها "حمى" لأنها في حماية الأرباب والأصنام ورعايتها، فلا يُعتدى عليها، ولا يُقطع شجرها ولا يُرعى فيها ولا يُسمح بصيد الحيوان فيها والاعتداء عليه في أرض الحمى١. فكان في الطائف "حمى"، وهو "حمى اللات"، وقد خصص به، وكان حمى في جرش٢. بل كان وادي مكة الذي أقيم البيت به "حمى" لرب البيت، ولم يكن يسمح لأحد قبل "قصي" بقطع شجره، ولا التجاوز على ما فيه من نبت. وقد كان "قصي" كما يقول أهل الأخبار أول من اقتطع شجره، وأقام البيوت لسكناه وسكنى قريش في ذلك الوادي.

ويفهم من كلام "نيلوس" Nilus أن العرب لم يكونوا يحيطون مواضعهم.


١ اللسان "١٤/ ١٩٩"، العرب في سوريا قبل الإسلام "١١١".
٢ Ency, Religi, ٦, p. ٧٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>