للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويذكر بعض أهل الأخبار، أن "الجارود"، وكان في ضمن رجال وفد "عبد القيس"، قال للرسول حين سأل عن "قس": "فداك أبي وأمي كلنا نعرفه وإني من بينهم لعالم بخبره، وأقف على أمره. كان قس يا رسول الله سيطًا من أسياط العمر عمر ستمائة سنة، تقفر منها خمسة أعمار في البراري والقفار". ثم أخذ في وصفه وفي ذكر عقائده، وفي لقياه لـ "سمعان" رأس الحواريين. وخلص بعد ذلك إلى ذكر نص خطبته بسوق عكاظ، ومطلعها: "شرق وغرب"، حتى انتهى منها، ثم ألحق بها شعرًا١. وهي خطبة تختلف تمامًا عن الخطبة المعروفة التي تنسب إليه، وإن كانت على نمطها من حيث الأسلوب والأفكار، وفيها مصطلحات إسلامية ترد في القرآن الكريم. ولا أستبعد أن تكون من وضع شخص آخر غير الجارود. وضعها في العصور العباسية، للحث على الزهد.

والجارود من سادات عبد القيس، وكان نصرانيًّا، قدم على النبي سنة عشر في وفد عبد القيس الأخير، وسر الرسول بإسلامه، وكان حسن الإسلام صلبًا على دينه، وقتل بأرض فارس في خلافة عمر، وقيل بقي إلى خلافة عثمان٢.

ولو صح ما ذكروه من أنه كان أسقفًا على نجران، لوجب إخراجه إذن من الحنيفية وإدخاله في عداد النصارى. ولكن ليس مؤكدًا أنه كان أسقفًا على ذلك الموضع، ويرى الأب "لامانس" احتمال كونه نصرانيًّا، لأن ما نسب إليه يبعث على هذا الظن٣. وقد أدخل الأب "لويس شيخو" قسًا في جملة النصارى الجاهليين، وأورد أكثر ما نسب إليه في ترجمته٤. غير أن كثيرًا من هذا المنسوب إليه منسوب إلى غيره. وقد أشار إلى من نسب إليهم من العلماء.

وذهب "شبرنكر" إلى أن قسًا كان من "الركوسية"، وهم فرقة عرفهم أهل اللغة بأنهم بين النصارى والصابئين، شملت جماعة من الحائرين في أمر دينهم، ولذلك عمدوا إلى السياحة والترهب والانزواء٥. وقد حسبهم العرب نصارى، فأدخلوهم فيهم في أثناء كلامهم على هؤلاء٦.


١ البداية والنهاية "٢/ ٢٣٠ وما بعدها".
٢ الإصابة "١/ ٢١٧ وما بعدها"، "رقم ١٠٤٢".
٣ Ency., II, P, ١١٦١, Sprenger, Leben, I, S. ٤٥.
٤ شعراء النصرانية "٢/ ٢١١ وما بعدها".
٥ تاج العروس "٤/ ١٦٣".
٦ Sprenger, Leben, I, S. ٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>