للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يكونوا يختلفون كبيرا عن العرب، فهم في أكثر أمورهم كالعرب فيما سوى الدين١. ولعل هذا بسبب تأثير العرب المتهودة عليهم، وكثرتهم بالنسبة إلى من كان من أصل يهودي، مما سبب تأثيرهم، وهم ذوو أكثرية، في اليهود الأصيلين الذين أثروا فيهم فأدخلوهم في دينهم، فأثروا هم فيهم، وطبعوهم بطابع عربي.

وقد عاش اليهود في جزيرة العرب معيشة أهلها، فلبسوا لبساهم، وتصاهروا معهم، فتزوج اليهود عربيات، وتزوج العرب يهوديات، ولعل كون بعض يهود من أصل عربي، هو الذي ساعد على تحطيم القيود التي تحول بين زواج اليهود بالعربيات وبالعكس. والفرق الوحيد الذي كان بين العرب واليهود عند ظهور الإسلام هو الاختلاف في الدين. وقد تمتع اليهود بحرية واسعة لم يحصلوا عليها في أي بلد آخر من البلاد التي كانوا بها في ذلك العهد٢.

ومن الأسماء قد تكون من أصل عبراني "زعورا"، وهم اسم عبراني متأثر بلهجة بني إرم، "يساف"، وقد يكون من "يوسف"، و"نبتل" وقد يكون من "نفتالي" NaftaeIi، وأسماء أخرى لم تتمكن من المحافظة على أصلها العبراني، فتأثرت بخواص اللسان العربي. وليس بين أسماء البطون اليهودية الأحد عشر، التي كانت في الحجاز في أيام ظهور الإسلام، اسم تظهر عليه الملامح العبرانية غير الاسم الذي ذكرته وهو "زعوراء"٣.

وكانت يثرب عند هجرة الرسول إليها، في أيدي أصحابها الأوس والخزرج، لهم السيطرة والسلطان، ولليهود آطامهم وقلاعهم في خيبر وفي تيماء وفي بعض قرى وادي القرى وفي أعالي الحجاز، يتاجرون، ويزرعون، ويقرضون الأموال بالربا الفاحش للأعراب، ويحترفون بعض الحرف مثل الصياغة، وهي حرفة اشتهروا بها منذ القديم، ويعقدون الأسواق ليقصدها الأعراب للامتياز.

ولكن اليهود مع ما كان لهم من قلاع وآطام وقرى عاشوا فيها متكتلين مستقلين لم يتمكنوا من بسط نفوذهم وسلطانهم على الأرضين التي أنشئوا مستوطناتهم


١ NoIdeke Beirage S٥٥ f
٢ Graetz III p٥٨ f ٦٠
٣ Margoliouth, P. ٦٠, Nallino, Raccolta, III, P. ١٠٤, H. Hirschfeld, Essal Sur I'histoire des Juifs de Medine, in Revue des Etudes Juifs, X, ١٨٨٥. P. ١١. f.

<<  <  ج: ص:  >  >>